لم يكن 21 آب (أغسطس) 1969م منفصلًا عن تاريخ وتفاعلات اجتماعية وسياسية حصلت، شجعت الأسترالي مايكل دينس روهن على تنفيذ جريمته بإحراق المسجد الأقصى المبارك.
أولى الملاحظات أن روهن لم يكن يهوديًّا، بل كان صهيونيًا متعصبًا، وجاء في إطار تنامي نفوذ الصهيونية غير اليهودية، والصهيونية الإنجيلية خاصة، هذه الصهيونية الإنجيلية وجدت كما الصهيونية اليهودية في هزيمة عام 1967م دفعًا معنويًّا كبيرًا لتوسعها، والترويج لأهدافها، خصوصًا مع وصول ليندون بينز جونسون إلى موقع الرئاسة الأميركية (1963م-1969م)، وهو المتحمس للكيان الصهيوني، لكن لم تثبت صهيونيته، وإن كانت صديقته المؤثرة جدًّا على قراراته ماتيلدا تركت الدين الكاثوليكي، وأصبحت يهودية ومقاتلة صهيونية متحمسة، إلى أن ورث الرئاسة ريتشارد نيكسون، وهو الرئيس الأميركي الأول الذي زار الكيان.
كذلك إن حريق المسجد الأقصى على صعيد انتشار التدين لدى اليهود مرتبط بالزلزال العسكري نفسه، أي هزيمة الجيوش العربية عام 1967م، فهذه الهزيمة شكلت نقطة تراجع للصهيونية عقيدةً سياسيةً مرتبطةً بمصالح اليهود، وبهوية عرقية طاغية على الهوية الدينية، فسرعة وسهولة الهزيمة العربية شكلتا منعطفًا في الكيان الصهيوني ومؤسساته الكبرى، وخصوصًا مؤسسة الجيش، وكانت بداية توسع نفوذ اليهود المتدينين في المجتمع وصولًا إلى تسلّم (ليكود) الحكـــــــــم عام 1977م.
كل ذلك دفع المتدينين اليهود إلى الشعور بأن اللحظة باتت سانحة لبناء الهيكل المزعوم، وأنهم يحظون بدعم المؤسسات الحاكمة، فانتشرت أكثر من ذي قبل الجمعياتُ الداعية لتحقيق هذا الهدف، وبعد أن كان قادة الاحتلال الذين كان يغلب عليهم "الإلحاد" يرون "الهيكل" المزعوم مجرد رمز يُستخدم خطابيًّا لاستقطاب الجمهور أصبح في نظر القادة الجدد هدفًا بعينه، يؤمنون به، ويسعون إلى تحقيقه، ومن هنا جاء التعاطف المجتمعي والحكومي الصهيوني الذي قاد إلى إطلاق سراح روهن، بذريعة أنه "معتوه"، وقبل ذلك قطع المياه عن الحرم الشريف ليأتي الحريق على نفائس تاريخية داخل الحرم.
التحرك العربي والإسلامي لم يكن كبيرًا، إلا أن حدثين قرأهما الاحتلال جيدًا جعلاه يتريث في استكمال مخطط هدم المسجد الأقصى، أولهما هو اندفاع الناس بطريقة جماعية لإخماد الحريق، وإبداء مشاعر قوية تجاه الحدث، وهو ما لم يتوقعه الاحتلال لظنه أن الهزيمة قبل عامين من الحريق قضت على أية مشاعر مقاومة. الحدث الثاني كان الضغط الشعبي العربي والإسلامي الذي دفع الحكومات إلى عقد أول مؤتمر إسلامي رسمي، وتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي.
إن العدو على قوته الظاهرة يعلم عمق المشاعر التي يكنها العرب والمسلمون للحرم القدسي الشريف، وقد أثبتت ثورة الأقصى في تموز (يوليو) الماضي أن المساس بالمسجد الأقصى لا يمكن إلا أن يفجر غضبًا وثورة ستترك عظيم الأثر على الكيان الصهيوني، لذلك هو يتريث في المضي لتحقيق أهدافه.