يحذر الاحتلال رعاياه من السفر إلى الخارج، ويقصد بذلك الخوف عليهم من ردات الفعل الشعبية التي قد تصل إلى مستوى الانتقام والثأر، بسبب الكره والحقد الشديدين للصهاينة، نتيجة أفعالهم وسياساتهم المشينة ضد الشعب الفلسطيني، والتي تجاوزت كل الخطوط الحمراء، لما يرتكبه كيانهم، من قتل، وتهجير، واعتقالات، والاستيطان والتهويد، واعتداءات على المسجد الأقصى لم تتوقف.
فعندما يصل الحد إلى أن تطلق سلطات الاحتلال تحذيرات لرعاياها بعدم السفر إلى 34 دولة من بينها الاردن، الفلبين، والهند، ونيجيريا، وإثيوبيا، وتركيا، ودول شرق آسيا لحسابات أمنية متوقعة ضدهم، هذا يعني عدم تقبل الصهاينة في تلك المجتمعات. لكن لماذا تحسست سلطات الاحتلال من هكذا ردود فعل معادية في هذا الوقت بالذات؟ مع العلم أن الاحتلال في السنوات الماضية كان يطلب من مواطنيه الاهتمام ببناء علاقات تجارية وسياسية وجلب استثمارات خارجية وإلى غير ذلك من الأمور التي تساعد على تحسين صورته وسمعته (إسرائيل) عالميا، وقد تزامن ذلك مع موجة التطبيع التي خاضتها بالترغيب والترهيب مع بعض البلدان العربية، كمحاولة يائسة لشق الطريق المعبدة بالرفض، بسبب تاريخ الكيان الدموي على مدار العقود السابقة.
فبالنظر إلى تطبيع الاحتلال مع بعض الدول العربية فكان عبارة عن موجة غبار لا تأثير لها على باقي الدول والشعوب العربية، وقد وقف هذا التطبيع عند نقطة اللاعودة، بسبب امتناع العرب والعجم من الدول الإسلامية وغيرها أمثال: باكستان، وإندونيسيا، وماليزيا، ودول أمريكا اللاتينية وأغلب دول إفريقيا للتطبيع جملة وتفصيلاً، وحتى أن هناك كثيراً من الدول، التي تقيم مع (إسرائيل) علاقات رسمية، قد أصابها الضرر بسبب مواقفها وسياساتها المتضاربة، وأصبحت علاقاتها معها تشهد حالة من الفتور وغير مستقرة مثل روسيا، والصين، ودول وسط آسيا، وكذلك حملة المقاطعة للكيان ومنتجاته التي انطلقت بقوة من الغرب على مستوى النوادي الرياضية، والمؤسسات، والجامعات، والمعاهد، والشركات، والمصانع، والأسواق، وسحب الاستثمارات وإلغاء التعاقدات...الخ.
فكيان الاحتلال الذي يفرض الحصار على الشعب الفلسطيني في غزة ونابلس وجنين، الآن يذوق مرارة تلك السياسة التي ينتهجها ضد الفلسطينيين، فيعيش في معزل عن العالم، وقد حصر نفسه في بيئة صهيونية متطرفة منقطعة النظير، حتى الإدارة الأمريكية، التي تعتبر من أقرب المقربين له وحليفته تعلن عدم التعامل مع ابن غفير وغيره من وزراء الاحتلال المتطرفين في تشكيلة نتنياهو لحكومته اليمينية الجديدة.
لاحظ: ما إن انطلقت بطولة كأس العالم في قطر الأسبوع الماضي، حتى أوفدت وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة مراسليها إلى هناك، لبث الحدث العالمي مباشرة، كمحاولة لفرض الوجود الإسرائيلي بين الناس، حتى لو كان صحفياً، وقد سبق ذلك سنين من التحضير لهذه المناسبة، حيث حاولت سلطات الاحتلال استباق الحدث الرياضي العالمي، وتوظيف قطار التطبيع لصالحها أملاً في أن تجد حضوراً في الخليج، أو على الأقل جس نبض الشعوب من قبل بعض المراسلين الإسرائيليين، لكن كانت نتيجة الاختبار عكسية تماماً.
لقد كان مونديال قطر اختبارًا ومقياسًا حقيقيًا لأحدث نسخة جماهيرية عربية وإسلامية وكأنها بمثابة استطلاع للرأي للتصويت على التطبيع مع الاحتلال، حيث عكست بطولة كأس العالم في قطر واقع ديمومة الصراع العربي الإسرائيلي، وقد حدد مركزية القضية الفلسطينية لدى كل الشعوب العربية، التي تمثل عمق الشعب الفلسطيني وحاضنة شعبية لقضيته الرافضة للاحتلال والاستيطان والتهويد لفلسطين، مهما تستر الكيان على سياساته العدوانية، ومهما ضلل الرأي العام، بإخفاء الحقائق والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني.