"ليس هناك (إسرائيل)، هناك فلسطين فقط، أنت ليس مرحب بك هنا".. هذا ما قاله مشجع سعودي رفض الحديث مع مراسل إسرائيلي خلال تغطيته بطولة كأس العالم في قطر لترتسم علامات الخيبة على وجه المراسل وهو يطأطئ الرأس لم يستطع حتى إيجاد شاب عربي واحد يتحدث معه، وتكرر الأمر مع كل المراسلين الذين رفضت الجماهير العربية الحديث معهم، مما يكشف حجم كراهية الشعوب للاحتلال وفشل أوهام التطبيع.
لخصت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في عدد أمس، هذا الفشل، وكتبت على غلاف صفحتها الأولى: "مونديال الكراهية، شوارع الدوحة بالنسبة لنا نحن الإسرائيليين خطِرة، الإسرائيليون محاطون بالعداء، ومهددون في كل زاوية".
مراسل عبري قال: "سائق سيارة أجرة طردنا، ورفض أخذ الأجرة لأننا نقتل إخوته (الشعب الفلسطيني)، وصاحب مطعم فعل الشيء ذاته وطلب منا مسح التصوير".
الموفد الرياضي لصحيفة مكور ريشون العبرية في قطر "دوتان ملاخ" عرض جانبًا حيًا لما عرضته الصحيفة العبرية قائلاً: ركبت المترو هذا الصباح وقد امتلأ بمشجعين سعوديين بعضهم لفوا أنفسهم بالأعلام الفلسطينية، لم يكن ممكنًا تحديد هويتي كإسرائيلي لأن الأمر قد ينتهي بشكل سيئ، غريب حجم هذه الكراهية التي تلقيناها هناك، وأنا سعيد لأن تجربتي هناك على وشك الانتهاء".
صحيفة "يسرائيل هيوم" لم تكن غائبة عن هذه الصدمة، فكتبت "إنهم لا يحبوننا ولا يريدوننا أيضًا، كأس العالم في قطر وضع (إسرائيل) أمام حقيقة وواقع مؤلم للغاية للإسرائيليين، وهو الرفض والتجاهل والكراهية، كل من يزعم أن سكان دول الخليج ليس لديهم عداء تجاه (إسرائيل) فإنهم ينخدعون ويرون حقيقة مختلفة".
شعوب حية
تثبت الشعوب العربية حسب منسق لجنة دعم الصحفيين في فلسطين صالح المصري، أنها شعوب حية ترفض التطبيع والمطبعين وتؤكد انحيازها وحبها لفلسطين، وقد بدا ذلك واضحا من خلال هتافها لفلسطين ورفعها للأعلام الفلسطينية وتفاعلها مع كل الفعاليات الفلسطينية.
وقال المصري لصحيفة "فلسطين": إن "كأس العالم القطري شكل ساحة مواجهة عالمية أثبت فيها أن القضية الفلسطينية قضية مركزية لكل الشعوب الحرة، وأن كل الرهانات على كي وعي الشعوب من خلال التفرقة وبث السموم لم تجدِ نفعا".
وعد أن ما يجري في قطر تظاهرة عالمية تنحاز لفلسطين وثوابت الأمة وتلفظ الاحتلال، مما يحتم على المسؤولين الفلسطينيين الوصول لهذه الشريحة لكشف جرائم الاحتلال والتعريف بالقضية.
لكن مسؤول ملف مقاومة التطبيع في حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني محمد مروان، يرى أنه لم نكن بحاجة لمناسبة مثل كأس العالم لمعرفة مواقف الشعوب الرافضة للتطبيع، لكن ما جرى أثبت أن التطبيع عبارة عن تطبيع حكومات فقط، ووجد إعلاميو الاحتلال أنفسهم بين شباب لا يقبلونهم.
وقال مروان لصحيفة "فلسطين": إن المطبعين والاحتلال تلقوا ضربة كبيرة، ولو كان هناك إعلام شعبي عربي حر تمتلكه الشعوب لكان هناك ضغط عكسي ضد التطبيع، معتبرًا أن رفض الجماهير الحديث مع مراسلي الاحتلال يؤكد أن الشعوب حية، لأن دماء جنودهم من القوات المسلحة المدفونة في أرجاء فلسطين لم تجف.
وعي الشعوب
وعدَّ ما جرى في كأس العالم أكبر ضربة تلقاها المطبعون، وفضيحة إعلامية ضخمة، برفض أي مقابلة مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، وهذا ما يعطي انطباعا أن الشعوب العربية واعية، لأن مجرد قبول المقابلة فهذا نوع من التطبيع، بالتالي الرفض يوصل رسالة عدم الاعتراف، وأنها ليست سذاجة، تعرف مصلحة أوطانها.
لحالة الرفض دلالة يراها في اتجاهين، الأول أن الشعب العربي نخبوي فاهم قضيته ويعرف مصلحة أوطانه، وكيف يتعامل مع الاحتلال، وأنه أرسل رسالة للاحتلال بأنه دخيل على المنطقة، وهذه الرسالة وصلت من كل الجنسيات العربية بموقف واحد رافض للتطبيع، بل سادت حالة خوف لدى المراسلين.
صورة مختلفة
سافر مراسلو القنوات الإسرائيلية متحمسين إلى قطر، ونصبوا الكاميرا، وانتظروا وصول العديد من السكان العرب للحديث مع القنوات الإسرائيلية، لكنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم في وضع الازدراء والتجاهل والسخرية، في وقت تعالت فيه هتافات الجماهير بحب فلسطين، ورفع الأعلام الفلسطينية في وجه هؤلاء المراسلين وفي مدرجات الملعب، في حين لم يجرؤ مراسلو الاحتلال في كثير من الأحيان في التعريف عن أنفسهم على أنهم إسرائيليون.
وهذا ما قاله مراسل "يديعوت أحرونوت" راز شاشينك: "عندما عرّفنا رأينا أن ذلك يؤدي دائمًا إلى مواجهة صعبة مع العرب، وصولًا إلى الشتائم، قررنا تعريف أنفسنا كصحفيين من الإكوادور".
في حين رصد المختص في الشأن الإسرائيلي مؤمن مقداد، ما نشرته الصحف العبرية، مبينا، أن مراسلي الصحف والقنوات الإسرائيليين، استقوا الصورة من خلال اتفاقيات التطبيع بأن الشعوب متقبلة لوجود الاحتلال، وهذا ما كان مختلفا على أرض الواقع، بالتالي سادت حالة استياء لدى المراسلين بعدها لجؤوا لإخفاء جنسيتهم، والبعض الآخر يريد المغادرة والعودة للاحتلال.
وقال مقداد لصحيفة "فلسطين"، إن الاحتلال وخاصة رئيس حكومته بنيامين نتنياهو حاول ترويج صورة "القبول العربي" خلال الأعوام الماضية، لتشجيع المجتمع الإسرائيلي والمستوطنين على السفر للدول العربية المطبعة، وكان كأس العالم فرصة لذلك لفحص جدية العلاقة، لكنهم وقفوا أمام صدمة عكسية.