أي مسلمة تحلم بالارتباط بشخص على قدر كبير من التدين، فقد تذهب فتاةٌ في شروطها إلى ما هو أبعد من ذلك؛ حين تقول إنها تريده أن يكون حافظا لكتاب الله ولديه إلمامٌ بالعلوم الشرعية، بينما فتاةٌ أخرى تكتفي بشرط حسن التعامل والعشرة وتعتبره صلب الدين؛ وهذا هو أقصى ما يهمها.
هل يمكن للفتاة أن تتنازل قليلاً عن مستوى تدين مرفق وفقاً لمتطلباتها ببعض الاعتبارات، في حال تقدم لها شاب على قدر من التدين العادي في أداء صلواته وعباداته، وحسن الخلق في تعاملاته مع أهل بيته وأصدقائه، وهل التدين أصلاً يقاس وفقاً لتحقق اعتبارات معينة.
قاعدة راسخة
فداء شابة في الـ 31 من عمرها، تزوجت قبل عشر سنوات من رجلٍ مطابق للمواصفات التي تريدها، فالكل كان يعرف أنها تود الارتباط بشاب حافظ للقرآن دارس للعلم الشرعي.
ولكن بعد مرور السنوات تغير رأيها لتعترف بأنها اخطأت في نظرتها للأمور آنذاك، قائلة:" بعد زواجي اكتشفتُ أن درجة الالتزام الظاهري للشخص ليست لها علاقة بكونه زوجا صالحا؛ بل إن بعضا قد يتجرأ على تشويه صورة الدين فيهينها ولا يكرمها".
وأضافت: "كون الزوج رجلا فعلاً في أخلاقه وتصرفاته وتحمله المسئولية واحترامه لزوجته، فهذا كافٍ؛ وليس له علاقة بكونه ملتزما في المسجد وحافظا للقرآن؛ مع تقديري لعظم هذه الصفات؛ لكن القاعدة الأولى والأخيرة أن تتكامل العبادات والتعاملية على حدٍ سواء".
وجهات نظر
وتقول نفين البايض: "قديماً في الزمن الجميل كان الدين وحفظ القرآن معيارا للأخلاق والصفات الحسنة التي تتمناها الفتاة ليكون شريك حياتها فيه هذه الصفات، أما في الأيام التي نعيشها فثمة شباب حفظوا القرآن في بضعة شهور، ولكن للأسف لا يعملون به و حتى لا يفقهون تفسيره؛ والتناقض واضح".
وأضافت لـ"فلسطين": "أعرف فتاةً اختارت زوجها على قدر كبير من التدين والالتزام في المسجد، ولكن بعد الزواج اكتشفت الكارثة وأنه شخص متستر بالدين والجلابية التي يرتديها؛ فكان يؤمن بأن التفاهم يتم عبر الضرب والإهانة، ومن هنا معيار النضج الديني ليس له صلة مباشرة بقناعات تنطلي على وهمٍ كبير".
أما أم كريم الخضري، فعبرت عن رأيها بالقول: "كثيرٌ من الأزواج لم يدرسوا العلم الشرعي؛ لكنهم يعطون زوجاتهم حقوقاً أفضل ممن يعتبرون أنفسهم "ملتزمين".
وأكدت الخضري لـ"فلسطين": "يتعين علينا ألا نفصل تدين الشاب عن أخلاقه وتعامله مع الآخرين وعائلته أيضا، حيث يمكن للفتاة أن تقبل إذا ما وجدت شابا يؤدي ما عليه من عبادات وفرائض والكل يشهد بحسن أخلاقه في التعامل، أما أن تبقى متشددة بألا ترتبط إلا بشابٍ حافظ للقرآن فقط دون أن تسأل عن أخلاقه ونضجه في التعامل؛ فهذا سيُحدث خللاً في العلاقة منذ البداية".
بدوره بين الأخصائي النفسي زهير ملاخة أن فهم التدين يتباين من إنسانٍ لآخر ومن رجلٍ لرجل، كما يختلف الفهم العميق لكل مناحي الحياة فيما يخص ناحية العبادات والمعاملات.
وأوضح ملاخة أن الاقتصار على الجوانب الشكلية باختيار الشخص للباسٍ معين أو تمسكه بما يوحي بالصورة النمطية للمتدين، هذا جهل بالدين؛ لأن الإسلام منهاج حياة، وأي قصور في تأدية المعنى يعني عدم الوعي الكافي.
وأكد أن اختيار شريك الحياة يتوقف على فهم الأشخاص لمفهوم التدين، إذا فهمناه على أنه التزام بتأدية حق الله في العبادات والتزام بأوامر الله في أداء حقوق العباد فذلك الفهم المطلوب، مشيراً إلى أن الانسان الذي يتقي الله في زوجته لديه حسن عشرة، وبذلك يتحقق التدين الجوهري.
ونصح ملاخة الفتاة أن تختار الشخص بناء على صفات أخلاقية ودينية وشخصية، حتى يكون على وفاقٍ مع شريكته ويوفر لها حياة كريمة وفق منظومة قيمية وأخلاقية تنطلق من معاملاته مع أهله وأصدقائه وعلاقاته.
ولفت ملاخة إلى أن الفتاة يمكن أن تتنازل باختيار شريك حياتها إذا كان ذا دخل محدود أو طبيعة عمله لأنها أمور يمكن أن تعوض، ولكن الأخلاق والقيم والتدين خطوط حمر لا يمكن التنازل عنها مع عدم التشدد فيما يخص مستوى التدين.