يوم تاريخي شهدته المنطقة العربية الأحد الماضي بانطلاق نهائيات كأس العالم "قطر2022" في قطر، بمشاركة اثنين وثلاثين منتخبًا رياضيًّا نجحوا في التأهل لنهائيات كأس العالم لكرة القدم، وسط حضور رسمي عربي ودولي لافت بمشاركة عدد من الرؤساء والزعماء إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة وعدد من مسؤولي الفيفا على مستوى العالم.
الافتتاح القطري الباهر للمونديال والذي امتد لثلاثين دقيقة متواصلة من الإبداع الثقافي والفني بما احتواه من إبرازٍ للثقافة القطرية وتركيز على تراث منطقة الخليج العربي يأتي تتويجًا لطموحات وجهود قطرية حثيثة امتدت على مدار اثنتي عشرة سنة، نجحت قطر في ختامها بتحويل الحلم العربي إلى حقيقة، وتبوأت بفضل عزيمتها ودقة تخطيطها صدارة الدول العربية التي تستضيف هذا الحدث الرياضي العالمي الأول من نوعه في المنطقة العربية، بما يجعل دوحة العرب نموذجًا يُحتذى به على مستوى الوطن العربي في التخطيط والتنظيم والإدارة الناجحة لهذا الحدث العالمي.
لقد واجهت قطر من التحديات والمحاولات المستميتة والمخططات الدنيئة لإفشال هذا الحدث الرياضي الكبير ما تنوء به دول كبرى في العالم، بدءًا من إطلاق حملات إعلامية مسيئة لقطر، والتشكيك بقدرتها على تنظيم هذا الحدث العالمي، ومرورًا بترويج تقارير كاذبة حول انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان، وليس انتهاءً بإثارة موضوعات مثيرة للجدل، وقضايا تتنافى مع ثقافة وقيم المنطقة العربية، ومحاولات التركيز الغربي على الشذوذ والمثلية وغيرها من قضايا الانحلال التي دمرت المجتمعات الغربية تحت شعارات مُخادعة مثل الحرية والمساواة وغيرها من الشعارات البراقة.
نجاح آخر حققته الشقيقة قطر على صعيد فرض احترام المشاركين في المونديال لثقافتها وهويتها العربية وقيمها الإسلامية، حيث أصدرت اللجنة المنظمة للمونديال بحسب صحيفة "الاندبندنت" البريطانية مجموعة من "الضوابط والإرشادات" التي يجب على جميع المشجعين والمنتخبات المشاركة في المونديال الالتزام بها، ومن أبرزها اجتناب المشروبات الكحولية، وعدم إقامة علاقات جنسية، أو إعلان المثلية الجنسية، وضرورة احترام الجميع لعادات المجتمع العربي الخليجي، وفي مقدمتها التقيد باللباس اللائق.
وبالنظر إلى حجم الإنفاق الكبير الذي أنفقته قطر والذي جاوز مئتي وعشرين مليار دولار لإنجاح هذا الحدث الرياضي العالمي، فإن الأهداف والإنجازات الكبيرة التي حققتها قطر على كافة الصعد إثر نجاحها المبهر في التنظيم يتعدى إيرادات هذا الحدث العالمي، فقطر اليوم تعيد تعريف نفسها في العالم أجمع كوجهة سياحية، وبيئة استثمارية جاذبة لرؤوس الأموال، إضافة إلى تحقيقها بُعدًا سياسيًّا كدولة مهمة في المنطقة العربية وهي تنتزع لأمة العرب حقها في تنظيم مونديال عالمي لطالما كان حكرًا على الأمم الأخرى من دون العرب.
إنجاز سياسي آخر حققته قطر على هامش هذا الحدث الرياضي الكبير، حيث أظهرت الصور المتلفزة مصافحة نادرة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد فتور سياسي عميق امتد على مدار تسع سنوات ماضية، ورغم أنها خطوة بروتوكولية إلا أنه يمكن لنا اعتبارها مقدمة لمصالحة سياسية بين النظامين المصري والتركي قد نشهد فصولها خلال المرحلة المقبلة من خلال تنظيم زيارات دبلوماسية متبادلة بين القاهرة وأنقرة بما يؤدي إلى إعادة ترتيب الاصطفافات السياسية وتطوير العلاقات الدبلوماسية في المنطقة العربية في المستقبل القريب.
ختامًا وإننا إذ نبارك للأشقاء في قطر هذا الإنجاز العظيم، والذي نفخر جميعًا بتحقيقه، فإننا لا نغفل عن قبلة الاحترام التي طبعها الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على يد الأمير الوالد في ذروة افتتاح المونديال، في خُلق عربي أصيل يعبر عن برّ الوالدين واحترام الأبناء للآباء، وقوة تماسك الأسرة العربية رغم تَتَابعِ الأجيال، وهو مشهدٌ يمثل فخرًا تربويًّا لأمة العرب مقارنةً بحالة الضعف والتشرذم الذي تعيشه الأسر والمجتمعات الغربية الحديثة على اختلاف مشاربها السياسية والعرقية.