عملية أرئيل الفدائية التي نفذها الشهيد محمد صوف شكلت "تحولًا نوعيًّا" في مسار العمليات، فهي عملية نوعية ومركبة، وخلفت نتائج كبيرة بكل المقاييس ليس فقط من ناحية عدد القتلى والإصابات بل أكثر من ذلك في أنها كشفت عن مدى عجز المستوى السياسي والأمني عن إيجاد "حلول سحرية" للقضاء على العمليات الفدائية أو التنبؤ بوقوعها، وفي الوقت ذاته بينت أن حالة الاستعداد والاستنفار القصوى التي يعيشها العدو وبلغت (مستوى الذروة) لا يمكنها أن تؤدي لوقف العمليات أو تشكل عائقًا بأي صورة أمام تحرك الفدائيين الفلسطينيين، الذين يملكون الجرأة والاستعداد الكافي لمواجهة العدو في الميدان.
صحيح أن العملية انتهت ميدانيًّا لكن آثارها وتداعياتها ما زالت قائمة والعدو يعيش الآن أسوأ حالاته، فهو غير قادر على إقناع مستوطنيه بأن خططه وإجراءاته على الأرض يمكن أن توفر الحماية وتعيد الأمن والاستقرار داخل الكيان، فضلًا عن أنه عاجز تمامًا عن ترميم نفسية الجنود بعدما انخفضت دافعية المواجهة والقتال لديهم، ويكفيه ما لحقه من عار بعد نشر مشاهد من هذه العملية وعمليات أخرى يظهر فيها هرب الجنود من مكان العمليات أو إصابتهم بصورة مباشرة ليكونوا في صفوف القتلى والمصابين، الأمر الذي هشم أي هيبة لهؤلاء الجنود، وأغلق الباب أمام الدعاية الصهيونية الكاذبة التي سوقت مرارًا لهذا الجيش بأنه الأقوى وأنه لا يمكن قهره في أي مواجهة.
يأتي ذلك بعد أن ظن العدو أن السبيل لمواجهة العمليات هو عبر (تكثيف الاعتقالات) وتصعيد (عمليات الاغتيال) بحق نشطاء وكوادر المقاومة، إلا أن سلوكه الدموي والإجرامي لم يحقق أي نتائج ملموسة ولم يفلح في إطفاء لهيب العمليات بأي صورة، فمن يسفك الدماء وينتهك المقدسات لا يمكنه أن يفلت من جرائمه دون ثمن، فشعبنا لا يتسامح مع العدوان، ولا يقبل القهر والإذلال، ويمكنه فعل الكثير لفرض إرادته، واستعادة حقه، والثأر لدماء الشهداء وتلقين العدو دروسًا لا يمكن أن ينساها، في ظل غطرسته وتنامي عدوانه ووحشيته المفرطة وتغوله المستمر ضد شعبنا ومقدساته.
كما أن أي مراهنة على كسر إرادة شعبنا وخداعه وإمكانية تطويعه هي مراهنات خاسرة ولا يمكن تحقيقها بأي صورة، فالاحتلال هو الطارئ على هذه الأرض، وكل محاولاته لتغيير الحقائق وفرض نفسه بالقوة لن تفلح في تثبيته واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ومهما بلغ من قوة وجبروت سيضطر آجلًا أم عاجلًا طال الزمان أم قصر إلى الرحيل عن هذه الأرض نهائيًّا، والتاريخ شاهد على ذلك بأن مصير أي احتلال إلى زوال، وهذا ما يؤمن به شعبنا الفلسطيني بجميع مكوناته وأطيافه، وعبر عنه الفدائي البطل محمد صوف ورفاقه الشهداء في هذه العملية وغيرها من العمليات التي لن تتوقف في أي مرحلة من مراحل نضاله من أجل استرداد حقوقه ونيل استقلاله.
لذلك فإن هذه العملية أطلقت "صفارات الإنذار" في وجه حكومة العدو الجديدة الأكثر تطرفًا لتقول لهم بأن أي محاولة للتصعيد أو المساس بالقدس والأقصى ستؤدي لردود أفعال قاسية وغير متوقعة من أبطال شعبنا، إذ لا يمكن السكوت عن جرائم العدو، والتهديدات التي يطلقها المتطرفون لن تجلب لهم الأمن وإنما ستكون سببًا مباشرًا في تفجر الأوضاع ودخول المشهد في واقع معقد وأكثر خطورة سيدفع خلاله العدو أثمانًا باهظة وسيجد نفسه في دوامة ساخنة وخطيرة من العمليات المركبة، التي ربما تكون أشد قسوة من عملية أرئيل التي فتحت الباب أمام عشرات الشباب ليسلكوا ذات الطريق على مسار "مدرسة العمليات المركبة" التي رسم معالمها الشهداء الأطهار.