فلسطين أون لاين

تقرير من كهربائي منازل إلى أستاذ جامعي.. قصة نجاح بدأت بحُلم

...
سائد مصباح الخور
غزة/ محمد حجازي:

لم يستسلم لليأس ولو للحظة حتى استطاع تحقيق حلمه وبات يتنقل بين قاعات الدراسة في جامعة الأمة بغزة ليُدرّس الطلبة بعد أن كان أُمّيًّا.

الفلسطيني سائد مصباح الخور، عامل بسيط في كهرباء المنازل، لم يرغمه تقدّم سنوات العمر على الاستسلام بعدما ترك الدراسة بالمرحلة الابتدائية، ليعود إليها بقوة ويكمل تعليمه ويحصل على درجة الماجستير في سن الـ38.

قصة نجاح سائد بدأت بتركه التعليم قبل أن ينهي المرحلة الابتدائية، إذ التحق بالعمل في مجال كهرباء المنازل، بسبب الظروف المعيشية السيئة وضغوط الحياة الصعبة في حينها.

وعلى الرغم من تأخره في الدراسة، فقد أصرّ على تحقيق أمنيته بإكمال تعليمه، وبدأ هذه المغامرة بالحصول على شهادة "محو الأمية" في سن الـ17، من مدرسة صلاح الدين شرق مدينة غزة، استمرت ما يزيد على عامين، حتى التحق بالمرحلة الإعدادية، وحصل على معدل الـ65%، وهو ما شجّعه على إكمال المسيرة التعليمية.

ثم التحق "سائد" بجهاز الشرطة الفلسطينية، وهو ما زاد من عزمه على إكمال الدراسة.

منهج حياة

يقول "سائد" لصحيفة "فلسطين" إنه في السنوات الأولى التي بدأ فيها الدراسة للمرحلة الإعدادية، لاقى استغرابًا كبيرًا من الطلاب بسبب تقدّمه في السن، إلا أنه مع مرور الوقت أصبح صديقًا لهم.

وأصبح حب القراءة والمطالعة لدى "سائد" منهج حياة، الذي لطالما انتظره في حياته، متابعًا أنَّ الحياة كفاح ولا شيء مستحيل.

التحق في ركب دراسة الثانوية العامة، ليحصل على معدل "جيد" ثم أنهى دراسته "الدبلوم" في  تخصص العلوم الأمنية من كلية العودة الجامعية، ليكمل مشواره التعليمي، إذ انتقل لدراسة البكالوريوس في جامعة الأمة تخصص "القانون".

ويؤكد أنه عانى ظروفًا معيشية سيئة في أثناء مرحلة الدراسة، إذ إنه متزوج من ثلاث نساء وله تسعة من الأبناء، وأنه ورغم ذلك لم يستسلم لضغوط الحياة، قائلًا: "لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة".

لم يكتفِ "سائد" بهذا، بل أكمل دراسته العُليا للحصول على الماجستير في الجامعة الإسلامية، ليحصل على شهادة قسم الدراسات العليا في تخصص القانون العام.

وفي خضم ما حصل من علم وتعلم، لم ينسَ أن يوجّه شكرًا خاصًّا للمعلم "علي الللي"، والشهيد زهير المنسي حيث كان لهما الفضل الأول والكبير عليه، بعد تشجيعه على الاستمرار للالتحاق بدورة "محو الأمية"، بعد ملامستهما شغفه وحبه للعلم والتعلّم والتزامه في جلسات القرآن الفجرية وعدم تغيُّبه عنها.

ويشير إلى أنّ أساتذته في الجامعة كانوا يشجعونه على إكمال طريقه العلمي، إذ كان مجتهدًا في دراسته ويحصل على أعلى الدرجات في مساقات الجامعة المختلفة.

كانت والدته أكثر شخص يتمنى حضور هذه اللحظة، والاحتفال بمراسم تخرّجه من الجامعة، لكنها رحلت قبل أن ترى اللحظات السعيدة التي لطالما انتظرتها، في وقت كان يتمنى استلام شهادة الماجستير من والدته، كما يقول "سائد".

ويعمل "سائد" حاليًّا عضو هيئة تدريس في قسم القانون بكلية الشرطة والقانون في جامعة الأمة، ليُشكّل بإصراره وشغفه بالتعلم والدراسة نموذجًا رائعًا يحتذى به، وفقًا لكُثر عايشوه واطّلعوا على تجربته في الحياة.

وينصح جميع الشباب بعدم الاستسلام لضغوط الحياة وبعض السلبيات الموجودة في المجتمع، داعيًا الجميع للتعلم والنجاح فالمستقبل للأقوياء والمجتهدين، مضيفًا: "تبقى العزيمة أملنا الوحيد للوصول إلى مبتغانا، لذا لا بد لنا من تعزيزها بالصبر والإصرار والمثابرة لتصبح أكثر قوةً وصلابةً لتصل بنا إلى النجاح".

شغف كبير

من جهته، قال عميد كلية القانون في جامعة الأمة د. مازن نور الدين: "إنّ الطالب سائد بدأ مشواره الجامعي في كلية العودة ومن ثم جامعة الأمة، إذ كنت أدرِّس بعض المساقات في الجامعات المذكورة، وكان لي نصيب أن أدرّس الطالب سائد الخور".

وأضاف نور الدين، في حديثه لـ"فلسطين": "لاحظت الشغف الكبير وحب العلم لدى الطالب سائد في حينه، للحصول على أعلى الدرجات العلمية وتطوير نفسه بشدّة، إذ كان يهتم بالكثير من الدورات المهنية والتدريبية والتعليمية، إضافة لبعض المساقات".

وأوضح أنه درّسه في جميع المراحل الجامعية، وأشرف على رسالته للماجستير، حتى أصبح زميلًا له في جامعة الأمة حسب الأصول المتبعة بالجامعة.

وأكد نور الدين أنّ "سائد" يُعد من أفضل المدرسين بالجامعة المحافظين والمجتهدين الذين يُسخّرون أغلب أوقاتهم لخدمة العلم والطلاب في الجامعة.

ولفت إلى أنه "شخص ناجح ومثال للقدوة الحسنة في المجتمع، ودائمًا ما أُشيرُ إلى قصته للطلاب بأنه نموذج رائع يُحتذى به".

وأصبح "سائد" مؤخرًا محاميًا شرعيًّا ومُحكّمًا قانونيًّا معتمدًا، ونقيبًا حقوقيًّا في إدارة الأدلة الجنائية وهندسة المتفجرات التابعة للشرطة الفلسطينية، ويسعى الآن لنيل شهادة الدكتوراة من جامعة طرابلس في لبنان.