نهض جميعهم من فراشهم مذعورين لا يدركون ما يجري، على حين كانت عيون الأطفال الأربعة تحدق يمنة ويسرة تبحث عمن يهدئ من روعهم، فأكثر من 20 مسلحًا من عناصر أمن السلطة الملثمين اجتذبوا أباهم وقيدوه.
حدث ذلك قبيل عيد الأضحى الماضي بأيام، لكن أحداث تلك الليلة لا تزال عالقة في أذهان الأطفال الذي احتفوا بحرية والدهم خالد نوابيت حديثًا.
خاض خالد (44 عامًا) إضرابًا مفتوحًا عن الطعام لمدة 35 يومًا تكللت بالإفراج عنه مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بعدما أمضى نحو خمسة أشهر في السجن دون أن يوجه إليه أي تهمة.
يقول خالد، إن اعتقاله من قبل جهاز "مخابرات السلطة" جاء بعد 6 أشهر فقط من الإفراج عنه من سجون الاحتلال، إذ أمضى 27 شهرًا في الأسر بذريعة إيواء الأسير القسامي عاصم البرغوثي في أثناء مطاردته بعد تنفيذه عملية فدائية أدت لمقتل عدد من جنود الاحتلال عام 2018.
تعرض خالد في أثناء اعتقاله لاضطهاد وإذلال إنساني للإقرار حول علاقاته برجال المقاومة في مدينة نابلس.
اقرأ أيضًا: خالد نوابيت.. معتقل سياسي بسجون السلطة على سرير المرض
ويوضح أن التعذيب شمل الضرب والضرب بالعصي والهراوات، ووضع قطعة حديد بين الأرجل، والربط والتعليق في الغرفة أو أمام الزنزانة، وغيرها.
ويعاني خالد أزمة قلبية استدعت نقله إلى المشفى في أثناء اعتقاله، كما يؤكد، إضافة إلى حساسية وفطريات شديدة ظهرت على جسده بسبب الرطوبة في الزنازين ومنعه من الاستحمام وتبديل ملابسه.
ويقول خالد إنه أفرج عنه بعد أن حولت النيابة قضيتهم أمام المحكمة إلى ملف جنائي، برفقة المعتقلين المفرج عنهم حديثًا: أحمد الخصيب، وقسام حمايل، وجهاد وهدان، إضافة إلى أحمد هريش الذي نال حريته قبل أيام، في حين بقي منذر رحيب معتقلًا في القضية ذاتها.
وكانت النيابة العامة في رام الله قد حولت ملف المعتقلين الستة إلى محكمة بداية رام الله، في نهاية أغسطس/آب الماضي، ووجهت لائحة "اتهام" تضمنت "تصنيع مواد متفجرة".
ليلة صعبة
ويصف خالد تلك الأيام بـ"الصعبة والمُهينة بسبب التعذيب الوحشي الذي تعرضنا له"، مشيرًا إلى أن مشهد اعتقاله بصورة مذلة أمام أطفاله لا يزال كأنه حدث البارحة.
وعن تلك الليلة تقول زوجته أحلام: تمنيت لو تمكنت من احتضان قلوب أطفالي الأربعة. كانوا يبكون وأعينهم تمتلئ خوفًا من شدة صراخ الملثمين وضربهم على باب البيت، وطريقتهم لتفتيش البيت وكيف عاثوا فيه فسادًا".
ففي الرابع والعشرين من شهر يونيو/ حزيران، قضت أحلام وأطفالها نهار ذلك اليوم في تجهيز الكعك استعدادًا لاستقبال عيد الأضحى، "وتلك الأجواء محببة لدى خالد، لكنه لم يعلم أن تلك الليلة ستجر في ذيلها صدمة نفسية صعبة لأطفاله".
تقول: "من تصرفاتهم وطريقة تعاملهم معنا اعتقدت أنهم من جيش الاحتلال، إلا أن أحد أبنائي لفت انتباهي بأنه مكتوب على الزي الذي يرتدونه باللغة العربية، فقال لي: ماما هدول عرب، لم أصدقه وسألتهم: انتو يهود ولا عرب، وهنا كانت الصاعقة عندما أجابوا بأنهم عرب".
وتضيف أحلام، أن الخوف سيطر عليها طيلة مدة اعتقال خالد؛ لإدراكها للمشكلة الصحية التي يعانيها زوجها وحاجته لإجراء قسطرة قلبية، مشيرة إلى أن الأزمة القلبية ظهرت في أثناء اعتقاله لدى الاحتلال في عام 2014.
وتلفت إلى أن مُحيي (6 سنوات) أصغر أبنائها وأكثرهم تعلقًا بوالده، مبينة أنه منع من معانقة والده في إحدى المحاكم الفجائية، "حتى في سجن بيتونيا كان يسألني كيف بدي أسلم على بابا من خلف الشبك؟ كيف أحضنه؟".
وتستطرد أحلام قائلة: "الاعتقال السياسي صعب علينا كأمهات وكذلك على أطفالنا، لا يوجد استقرار، وأعيش مع أبنائي في حالة ترقب وخطر أيضًا بحكم سكني في بيت مستقبل بعيد عن الأهل في منطقة برقة التي تحيط بها المستوطنات من كل جانب".
ووفقًا لمعطيات نشرتها لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية المحتلة، تواصل أجهزة أمن السلطة اعتقال أكثر من 40 مواطنًا على خلفية سياسية، في ظروف اعتقالية صعبة، ويتعرضون للتعذيب والإهانات والحرمان من زيارات الأهل.