صوت صراخ داخل الحافلة: "ساعدني في رفع ميني، أنا أساعدك، هل يوجد هنا مسدسات يا عوز؟ خلص تعال، الشريان الرئيس، لحظة يا أم محمد"، يصرخ أحدهم: "اطلعوا بسرعة، اطلعوا، تعا يا محمود اطلع"، أصوات متتالية ممزوجة بالخوف والقلق في أثناء حوارات بين أفراد قوة خاصة من وحدة "سيرت متكال" الاستخباراتية العسكرية الإسرائيلية، لحظة هربهم في أثناء انكشاف أمرهم على يد المقاومة وقتل قائدها وإصابة نائبه، دوّى صداها داخل المنظومتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية حينها، وما زالت ارتداداتها وتداعياتها ماثلة حتى اليوم.
هدفت تلك القوة لزرع منظومة تجسس للتنصت على شبكة اتصالات المقاومة، لكنها تحولت إلى "كنز وصيد ثمين" بيد المقاومة.
مساء 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، مني قادة المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بفشل ذريع، انهارت معه الأسطورة الأمنية لـ"وحدة سيرت متكال" التي شيَّدوها على مدار عقود، في ساعات على يد مقاومي غزة.
تأثيرات مستمرة
يعتقد المختص في الشأن الإسرائيلي أيمن الرفاتي، أنّ تأثيرات عملية حد السيف ما زالت مستمرة، لأنها أساءت صورة العمل الأمني الإسرائيلي الذي كانت تتفاخر به دولة الاحتلال على مدار العقود الماضية.
وأوضح الرفاتي في حديثه مع صحيفة "فلسطين"، أن المقاومة أظهرت أن بإمكانها مواجهة الأدوات الأمنية للاحتلال وكسر تلك الأدوات التي يحاول من خلالها إحداث تحولات وتغيرات في بيئة المقاومة.
وقال، إن العملية أثرت كثيرًا في جهود الاحتلال الأمنية التي لم تكن مقتصرة على غزة بل امتد نشاطها لمستوى المنطقة، ومن ثم كشفت العملية أسماء وصور الضباط المشاركين، وكشفت أنهم نفذوا أعمالاً أخرى بدول عديدة بالمنطقة، وهذا يعني أنها أخرجتهم من الخدمة.
وأضاف أن ما حققته المقاومة يمثل ورقة قوة لديها في مواجهة الأدوات الأمنية للاحتلال، إذ رسخت أن لديها سيطرة في غزة، ولن يكون مسموحًا لأي من الأطراف إفساد عملها.
اقرأ أيضا: "حد السيف".. نجاح كبير للمقاومة وخسائر بشرية وتقنية إسرائيلية
ورأى أن المقاومة جعلت الثمن كبيراً، خاصة أنها ألحقت الرد بإطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ تجاه عسقلان والمستوطنات المحاذية لغزة، وعدَّت بأنها رسالة شديدة اللهجة، وهذا يعقد أي عمل أمني للاحتلال، لأن أي خطأ فيه يكلف حدوث مواجهة عسكرية جديدة.
ولفت إلى أن المعركة أحدثت تغييرات على المستوى الأمني، تحديدًا داخل جهاز "الشاباك" وشعبة الاستخبارات "أمان"، إذ استقال المسؤول عن العمليات الخاصة فيها، وتبادل الاتهامات بين أجهزة استخبارات الاحتلال.
ضربة قوية
الخبير في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة، يعتقد من ناحيته، أن المعركة شكلت ضربة قوية للمؤسسة الأمنية والعسكرية وكسرت هيبة نخبة جيش الاحتلال، بعد حجم الهالة المرسومة لديها.
وقال أبو زبيدة، لصحيفة "فلسطين"، إن آثار الفشل بدأت منذ اللحظة الأولى لها بقتل قائد الوحدة، ثم ما تبع ذلك من آثار على المؤسسة السياسية والعسكرية، إذ أجبر الفشل وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان على الاستقالة، واستقالة مسؤولين في أجهزة استخبارات الاحتلال.
وعدَّ أبو زبيدة أن ما حدث إخفاق ميداني، جعل كل شيء لدى الاحتلال مثارًا للشك، كذلك إعلان المقاومة أنها امتلكت كنزًا معلوماتيًّا استخباراتيًّا كبيرًا.
وأضاف أن هذا الكنز مكن المقاومة من استطلاع آلية عمل الاحتلال، فعملت المقاومة على تنفيذ ضربات وقائية، إذ استطاعت التشويش على الاحتلال، وجعل جهده الاستخباراتي أكثر تعقيدًا.
مخاطرة الاحتلال بقوة خاصة من نخبة قواته، يسلط الضوء أيضًا على أهمية سلاح "الاتصالات" الذي تملكه المقاومة، وكان هدف العملية الفاشلة اختراقه، يلفت أبو زبيدة، إلى أن كل الجهد الاستخباري يهدف للحصول على المعلومة، لأن من يمتلكها ينتصر ويوجه ضربات لنقاط ضعف الآخر.