اعتبرت فصائل فلسطينية، أن الوثائق المسربة حول جريمة اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، تشير إلى وجود متهمين كثر شاركوا في تنفيذ العملية.
وذكرت الفصائل في أحاديث منفصلة مع صحيفة "فلسطين"، أن تسريب الوثائق في هذا التوقيت يؤكد استغلال وتوظيف الجريمة في الصراعات بين تيارات فتح المتناحرة، وتصفية الحسابات بينها.
ودعت إلى الكشف عن كل التفاصيل المتعلقة بملف الاغتيال ومحاسبة المشاركين فيه، لكون "أبو عمار" استشهد في مقر المقاطعة، معتبرين أن بقاء الملف مفتوحًا دون محاسبة المجرمين هو تضليل للرأي العام.
وظهرت التسريبات عن محاضر تحقيقات مع شخصيات رفيعة في السلطة برام الله، حول الظروف المحيطة باغتيال الرئيس الراحل، ترأسها اللواء توفيق الطيراوي في 2010.
وأعلن عن استشهاد عرفات، في مستشفى باريس العسكري في 11 نوفمبر عام 2004م، بعد فترة من الحصار الإسرائيلي له في مقر المقاطعة برام الله وسط الضفة الغربية.
وكانت قناة الجزيرة، كشفت في تحقيق استقصائي لها عن إمكانية وفاة "أبو عمار" بمادة البولونيوم المشعة.
خلافات داخلية
وقال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر حبيب: "إن الوثائق المسربة بجريمة الاغتيال تشير إلى وجود متهمين كثر ومشاركين في الجريمة".
وحمل حبيب لصحيفة "فلسطين" الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن الجريمة، "حتى لو قام بالعملية طرف مستأجر".
وأضاف: "إن الوثائق ونشرها مع حلول الذكرى الـ 18 لاغتيال عرفات، تدفعنا لتكثيف البحث والتحري للوقوف على المسؤول الأول واليد التي وضعت السم للشهيد، وهذا الأمر ممكن في ظل نشر الوثائق التي تشير إلى وجود متهمين في عملية الاغتيال".
وشدد على ضرورة العمل والبحث والتحري وإزالة الغموض حول جريمة الاغتيال، مضيفًا: "من صالح شعبنا أن يعرف من أين نؤتى، ومن هو المجرم الذي امتدت يده لاغتيال عرفات"، مشددًا على أن "ذلك يدفعنا لمزيد من البحث والتحري للوقوف على المجرم الحقيقي".
واعتبر أن نشر وثائق حول الاغتيال في الذكرى الـ18 لاستشهاد عرفات، نابع من الخلافات الداخلية في حركة فتح، وتجاذب الأقطاب التي تعيش حالة من الانهيار من جراء الفشل الذي وصل إليه مشروع "أوسلو".
تصفية حسابات
بدوره، أكد القيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية نبيل دياب، حق الشعب الفلسطيني في الاطلاع على ما يدور في الأروقة الخفية ومعرفة المتسببين في الاغتيال ومحاسبة كل من كان له دور في العملية.
وقال دياب لصحيفة "فلسطين": "إن كل ما أحيط من ملابسات إزاء اغتيال عرفات، والملفات التي لم تظهر للعلن، والتي يتم تسريبها وما تم تشكيله من لجان وغيرها، لم تظهر الحقيقة جلية أمام شعبنا".
وأضاف أن ملف الاغتيال ما زال مفتوحًا ولم يغلق منذ 18 عامًا، لافتًا إلى أن التسريبات الجديدة تشير لوجود أطراف تحاول تسجيل نقاط على حساب الأخرى، مشددًا على ضرورة إغلاق الملف من خلال إطلاع شعبنا على ملف الاغتيال والمتسببين فيه ومحاسبتهم.
وتابع القيادي في "المبادرة الوطنية": "إن شعبنا يمر بمرحلة سياسية حرجة، فلا نريد فتح ثغرات أو استغلالها من قبل الاحتلال والمتربصين بنا، وزعزعة الوضع الفلسطيني على المستوى السياسي والوطني الداخلي فلا بد من الكشف عن الجناة ومحاسبتهم".
ودعا إلى عدم استخدام ملف "عرفات" في زيادة حالة الانقسام، محملًا المسؤولية الأولى والأخيرة عن الاغتيال للاحتلال الإٍسرائيلي لكونه فرض حصارًا على الزعيم الفلسطيني الراحل لسنوات في مقر المقاطعة.
وطالب دياب بتشكيل لجنة وطنية للاطلاع على كل الملابسات والأحداث التي رافقت حياة عرفات، من مرضه حتى الإعلان عن استشهاده.
"محاسبة القراصنة"
فيما اتهم قيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مسؤولين متنفذين في السلطة، بالوقوف وراء جريمة الاغتيال.
وقال القيادي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه: "إن المتهم الرئيس في الجريمة (أبو مازن) الذي سعى لإزاحته سابقًا -عرفات- لكي يستولي على الحكم"، بحسب تعبيره.
واستغرب من إخفاء ملفات ونتائج التحقيق في جريمة الاغتيال، وعدم إطلاع الشعب الفلسطيني عليها طوال الأعوام الـ18 عامًا الماضية، داعيًا "لمحاسبة من يفرض القرصنة عليها ومن يسربها".
وأضاف: "من حق شعبنا الاطلاع على ملف الاغتيال، والمشاركين فيه ليتم محاسبتهم أمام الجميع"، مؤكدًا أن تسريب الملف يدلل على وجود متنفذين يحاولون تحقيق مكاسب سياسية أو مالية من خلال الكشف عن بعض الوثائق.
حرب مشتعلة
فيما ذكر الناطق باسم حركة الأحرار ياسر خلف، أن ما كشفته قيادات وازنة في السلطة، كانت على مقربة من الرئيس عرفات حول جريمة الاغتيال، ليست بالجديدة، مضيفًا: "إن شعبنا يعلم من تآمر على عرفات، وشارك في محاصرته وإدخال الدواء المسموم له".
وقال خلف لصحيفة "فلسطين": "إن ما كشفته الوثائق المسربة يظهر حقيقة ثابتة واضحة بأن أبو عمار، تمت تصفيته"، مشددًا على "ضرورة كشف من شارك في العملية، وفضحهم ومحاسبتهم".
ورأى أن السبب وراء تسريب الوثائق حول جريمة الاغتيال، هدفه انتقامي من قبل الخصوم في حركة "فتح" وخاصة بين تياري دحلان وعباس، "وكلاهما كانا شركاء فيما جرى مع عرفات، وهذا استمعنا له من كليهما، وبالتالي فهي حرب مشتعلة لفضح المؤامرة وشركائهم وبالتعاون مع الاحتلال من خلال تهميشه وعزله".
ودعا لحراك متواصل على المستويات الشعبية والفصائلية والقانونية إلى محاسبة كل من شارك في عملية الاغتيال في ظل وجود دلائل واضحة وثابتة واعترافات من قبل بعض الشخصيات حول الجريمة.
إخفاء الوثائق
بينما، رأى المتحدث باسم التيار الإصلاحي في حركة "فتح" عماد محسن، أن المستفيدين من تأخير معرفة قاتل "عرفات" "هم نفسهم مرتكبو جريمة الاغتيال".
واستغرب محسن، "من سبب إخفاء الوثائق المتعلقة بالتحقيق طوال السنوات الماضية"، مؤكدًا أن "العديد ممن أُجري معهم التحقيق أكدوا أنها حقيقية، وأنها هي ما أدلوا به للجنة آنذاك".
وتساءل محسن، حول التسريبات، قائلًا: "أين كانت هذه الوثائق؟ ولم اختفت طيلة هذه الفترة؟ وكيف وظفت هذه الوثائق في خدمة التقرير النهائي المتعلق باستشهاد عرفات؟ والأهم من ذلك، من الجهة التي سربت ولمصلحة من؟ ومن المستفيد منها في هذا الوقت بالذات؟".
وأضاف: "كل هذه أسئلة من حق الشعب الفلسطيني معرفتها".
واعتبر أن الـ 18 عامًا على استشهاد عرفات، هي وقت كافٍ لأي لجنة تحقيق محلية أو عربية أو دولية تريد أن تصل إلى استخلاصات تقدمها للشعب الفلسطيني الذي له الحق في معرفة من هو قاتل زعيمه السابق".
وطالب الجهات الرسمية بالتصرف بطريقة أكثر مسؤولية تجاه الراحل عرفات، والشعب الفلسطيني من خلال تشكيل لجنة تحقيق عربية برئاسة شخصية عربية وازنة وخبراء في علم الجريمة، "لنتمكن من الوصول لمن وقف وراء جريمة الاغتيال وتقديمهم لمحاكمة عادلة باسم الشعب الفلسطيني كله".