فلسطين أون لاين

نظرة الوداع لم تروِ شوق والدته العائدة من السفر

تقرير "وين أزفَّك يابا؟".. صرخةُ والد "مصعب نفل" بعد فقده "آخر العنقود"

...
وداع الشهيد مصعب نفل
رام الله - غزة/ يحيى اليعقوبي:

"يا روحي يابا يا حبيبي، وين أزفك يابا؟ وين أزفك يا حبيبي؟ الله يرضى عليك، عريس يابا أنت اليوم، بدنا نزفك يابا".. صوتٌ ترافقه دموعٌ ذرفتها عينا والد مصعب نفل (18 عامًا)، لحظة دخوله على "آخر العنقود" وابنه المدلل، علّها تواسي جراح قلبه التي شقها الفقد، فلم يستعد لهذا الفراق، ولهذا الرحيل المبكر، ورؤية ابنه ممددًا على أسرَّة المستشفى.

اقرأ أيضًا: جماهير غفيرة تُشيّع جثمان الشهيد مصعب نفل برام الله

في جنازة التشييع أحاط بوالد مصعب مواسون كثر، التفّوا حوله من كلّ جانب، وشدّوا أزره، يسندونه من كتفيه ويديه، وفي الوقت نفسه يُدركون أنهم لن يحملوا حزنه الذي يتجرّع مرارة كأسه وحده، بالرغم من كلّ العبارات التي خرجت من أفئدة المُعزّين، لتمنحه شحنات صبرٍ وتماسُكٍ، يُلملم بها جراحه المتناثرة على قارعة الألم.

لم يكن حال والدة مصعب أقل صعوبة من حال الوالد، فلم يمر أكثر من خمسة أيام على وصولها من الولايات المتحدة بعد زيارة عائلية هناك استمرت 40 يومًا. لم تكفِ الأيام الخمسة التي تخلّلها وصول مهنئين بسلامة العودة، من الجلوس مع ابنها، ليرحل وتبقى حسرة الفراق مغمّسةً بطعم الشوق وظمأ لم تروِه نظرة وداع أخيرة ألقتها على جثمان نجلها، لحظة إحضاره تلفُّ جثمانَه الورود وعلم فلسطين، وتحتضن رأسه كوفية، وينام في سلام، بعد جريمة إسرائيلية سرقت مصعب من قلب والديه.

كمينٌ وإعدام متعمد

مساء السبت الماضي، ما إن اكتست السماء باللون الأسود الحالك، همّ الشبان الفلسطينيون في منطقة عيون الحرامية شمالي رام الله، لمغادرة المكان بعد مواجهات وإلقاء حجارة تصدوا خلالها لاعتداءات جنود الاحتلال والمستوطنين.

في أثناء الانسحاب وقع الشبان في كمين نصبه جيش الاحتلال لهم بين جنح الظلام، وأطلقوا النار صوبهم بشكلٍ متعمد، حسب روايات شهود عيان، فأصيب مصعب برصاصة في قلبه، وابن خاله نيشان زبن برقبته.

"جاءني اتصال من صديق يسألني عن مكان وجود مصعب، شعرت أنَّ شيئًا حدث له، فليس من الطبيعي أن يسأل عن أخي، لكنه لم يُعطِ إجابةً واضحةً عما جرى، فعاودتُ الاتصال بأصدقاء أفادوا أنّ إصابته خطرة وفرص إسعافه ضعيفة، وأنّ عملية نقله للمشفى أخَّرها الاحتلال، إذ تمكن الشبان من سحب أخي بصعوبة ومشوا به مسافة طويلة بين الأحراش حتى نقلوه بواسطة إسعاف للمشفى"، يروي شقيقه حكيم لصحيفة "فلسطين" ما نقله شهود عيان له عن تفاصيل ما جرى.

اقرأ أيضًا: "حماس" تنعى الشهيد نفل وتؤكد مواصلة المقاومة حتى التحرير

تولَّى حكيم أصعب مهمة في حياته احتار كيف سيخبر والديه بالخبر، لإدراكه حجم ما قد يُسبّبه لهما، لم يشأ أن يراهما في صورة انكسار مفاجئ، لكون مصعب وشقيقه الأكبر وائل (19 عامًا) تفصلهما 13 سنة عن إخوته الآخرين الأصغر منه، وكانا بمنزلة طفلين لوالده الذي تعلق بهما ومثلًا له سندًا.

ترجّل عن صهوة الجواد

يستحضر ما جرى: "أخبرتهما أنه أصيب في الساق، لكني تفاجأت أنهما انهارا هنا بالرغم من أن خبر الإصابة بسيط، وفي الطريق أوضحت لهما أنّ الإصابة في الصدر، وأن وضعه صعب، والإصابة حرجة، لتهيئتهما لاستقبال خبر الاستشهاد في المشفى، وحين سماع نبأ استشهاد أخي كانت ردة فعل أبي التي رآها الجميع أنه لم يتمالك نفسه لشدة تعلُّقه بأخي".

جمعَت الأب بابنه علاقة يصفها حكيم بأنها "أشبه بعلاقة صديق"، كان الابن بارًّا بوالده، يُعاونه، ويُلبّي طلباته، ويُقبّل يديه صباح مساء، في المقابل يمنحهما سيارته هو وشقيقه وائل، قبل أن يُفسد جيش الاحتلال حياتهم الجميلة ويُدخل الحزن على قلب الأب.

كان مصعب دائم التجول في شوارع منطقة "عيون الحرامية" على ظهر خيل يملكه صديقه، تمنى أن يمتلك خيلًا له كي يرى جمال الطبيعة على صهوة الجواد، فعمل في "ميكانيكا الشاحنات" منذ عامين واقترب أكثر من حلم امتلاك الخيل، لكنّ الاحتلال أطلق الرصاص عليه واغتال حلمه، كما اغتال أحلامًا كثيرة لأطفال وشبان فلسطينيين لم يُحقّقوا تلك الأحلام.