صَرّح مسؤول أميركي بأن الرئيس دونالد ترامب يعتزم إيفاد صهره جاريد كوشنر وعدد من مساعديه إلى الشرق الأوسط لبحث سُبُل بدء محادثات سلام وُصِفَت بـ"الحقيقية" بين دولة الاحتلال ودولة فلسطين!
وقد أشار المسؤول الأمريكي رفيع المستوى إلى أن الزيارة ستكون فرصة سانحة للحصول على مشورة ودعم دول عربية، من بينها الأردن والسعودية والإمارات ومصر وقطر؟!!
أما الحديث عن "سلام حقيقي" فقد أضحى وصفاً مُزمِناً خاصة وأنه يمتد لِأكثر من ستة عقود ونيف وهو العلامة المسجلة لأي جهد أمريكي مُضَلِّل!؟
لقد جاء كوشنر في زيارات سابقة إلى المنطقة بعضها اقتصر على تل أبيب وأخرى شَملت مدينة رام الله المُحتلة والتي وصفها المراسل السياسي لصحيفة يديعون أحرونوت " أليئور ليفي " بأنها كانت مُحبطة لرئيس سلطة حركة فتح محمود عباس.
وَيُعَلِّلُ " أليئور " ذلك في أن أجندة الموفد الأمريكي اليهودي الصهيوني في حينهِ كانت تحمل موضوعين رئيسين فقط وهما: وقف التحريض الإعلامي على دولة العدو حليفة الولايات المتحدة، ووقف آخر ولكن لمُسْتَحقات الأسرى الفلسطينيين بصفتهم إرهابيين. وفي الوقت الذي استجاب فيه عباس فوراً لهذين المطلبين، رفض السيد جاريد كوشنر حتى مناقشة مطلب عباس بإدانة الاستيطان وليس وقفه!!
ومعلوم أن لكوشنر عديد التصريحات التي تدعم الاستيطان وتعده "حقا لليهود في أرض الميعاد"، كما أن والديه لهما تاريخ مُمْتَد في التبرع كي تنتشر الوحدات الاستيطانية كالفطر في فلسطين المحتلة.
أما تصريحات دونالد ترامب نفسه فإنها لم تزل تؤكد موقفه الداعم للاستيطان وعدم إيمانه بحل الدولتين أصلاً، ويهدد بنقل سفارة واشنطن إلى القدس المحتلة، ويتحدث عن خطته المتمثلة – كما يقول – بأوسلو 2 وأنها ستكون صفقة العصر وبحل إقليمي عربي للصراع في الشرق الأوسط يضيف إلى دُولِه في هذه الزيارة دولة قطر، كل ذلك دون أن يقدم خُططاً تُذكر لأي من الوعود المذكورة!
وتاريخ الإدارات الأمريكية المتعاقبة، يشوبه شبه كبير يشي في البداية بأن هناك زخماً قادماً كما جرى في بداية عهد الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر ثم كلينتون ثم باراك أوباما وزيارته الشهيرة لقاعة المؤتمرات الكبرى في جامعة القاهرة وخطابه الوردي بحل قادم وسريع!
كما أن الوسيط المُدَّعى جاريد كوشنر لا صِلَةَ فعلية لَهُ بتعقيدات نزاع دموي يمتد لعقود وكذلك حال شريكه الزائر الموفد جوسين غرينبلات فهما يدعمان الاستيطان ويُدينان انتفاضة الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال وإجراءاته العنصرية، وكيف يمكن لهؤلاء وغيرهم أن يكونوا وسطاء وأن يقودوا مباحثات تؤدي إلى " السلام الجدّي " الذي يتحدثون عنه؟!
ولم تزل مواقف ترامب وصهره كوشنر حَيّة حين وقفا بكل حزم مع الإجراءات الصهيونية في إغلاق المسجد الأقصى ومحاولة فرض البوابات الإلكترونية تمهيداً للتقسيم المكاني والزماني، كما هو حال كل الموفدين الأمريكيين السابقين والذين كانوا يهوداً وصهاينة من أمثال دينيس روس ومارتن إنديك وغيرهما على مدار العقود الماضية.
وواضح أن ترامب لا يملك خطة فعلية متوازنة تراعي مصالح دول وشعوب المنطقة، وأن ما يجري ليس بأكثر من شراء للوقت وذر للرماد في العيون ودعم للاستيطان الذي يتسارع في الوقت الذي تمنح فيه سلطة حركة فتح في مقاطعة رام الله المحتلة زمناً ذهبياً وغطاءً كارثياً والذي سيوصل الأمور بعد قليل إلى ضياع الأرض فلا يجدون ما يتفاوضون عليه!؟
ولكن عَين دونالد ترامب، هي على الخليج وعلى حل مآزقه المتفاقمة وسقطات وخطايا سياساته وحلفائه في دول الحصار ضد قطر، حين انقلب السحر على الساحر فدخلت إيران وروسيا وتركيا والصين إلى المعادلة في منطقة هي الأهم على المستوى الكوني.
الأوراق تتبعثر من يد ترامب والتدخل الروسي المفترض في الانتخابات الرئاسية التي حملته إلى سدّة الحكم تَعصف باستقرار كرسيه في البيت البيضاوي، وتخرج له بيونغ يانغ بصواريخها النووية، وتدخل تركيا بقوة إلى عمق مياه الخليج الساخنة فترسل قواتها إلى الدوحة. أما إيران فتصبح القاعدة اللوجستية الاقتصادية براً وبحراً لقطر.
كل ذلك يُحيل التوجه الأمريكي في هذه الزيارة نحو الملف الخليجي فقط، وكيف يعيد المياه إلى مجاريها بين حلفائه، حلفاء الأمس في مجلس التعاون الخليجي!!