فلسطين أون لاين

تقرير من رحم "جبل النار" وُلدت مجموعات "عرين الأسود"

...
مقاتلو عرين الأسود
نابلس- غزة/ أدهم الشريف:

لم يعد مجرد اقتحام مدينة نابلس الشهيرة باسم "جبل النار" وتحديدًا البلدة القديمة منها؛ أمرًا هينًا على قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ فهي تعلم جيدًا أنها عندما تقرر ذلك، فهي ذاهبة إلى "عرين الأسود"؛ تلك المجموعات المقاومة التي شكلت حالة وطنية فريدة من نوعها تجاوزت حدود "التنسيق الأمني" بين السلطة و(إسرائيل)، وألحقت بالأخيرة خسائر في أكثر من موقع.

وبينما يسعى جيش الاحتلال وأذرعه الأمنية والعسكرية للقضاء على "عرين الأسود" من خلال تكثيف عمليات الاغتيال والتصفية إما عن بُعد وإما باقتحام نابلس، تسعى هذه المجموعات المقاومة لتقوية أفرادها وزيادة أعدادهم، وتطوير أدواتهم القتالية.

وظهرت هذه المجموعات خلال 2022، وأظهرت مع تأسيسها العديد من مشاهد القوة والتحدي لقوات الاحتلال التي تستخدم ترسانة عسكرية وأدوات تقنية إلكترونية متطورة في مطاردة أبطال العرين.

بداية المجموعات

تعود بداياتها إلى جريمة اغتيال نفذتها قوات خاصة من جيش الاحتلال وطالت ثلاثة من المقاومين ينتمون لكتائب شهداء الأقصى، يوم 8 فبراير/ شباط 2022، وهم: أدهم مبروكة "الشيشاني"، ومحمد الدخيل، وأشرف مبسلط.

لم يمضِ وقت طويل حتى لمع نجم "مقاومة نابلس"، في وصف المجموعة التي ينتمي إليها المقاومين الثلاثة.

وفي وقت لاحق اغتال جيش الاحتلال اثنين من عناصر كتائب الأقصى في نابلس، يوم 24 يوليو/ تموز 2022، وهما محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح، ونجاة إبراهيم النابلسي من الاغتيال وقتها، ويعد العزيزي من مؤسسي المجموعة الأولى.

وفي 9 أغسطس/ آب الماضي، اغتالت قوات خاصة اثنين من نشطاء "مقاومة نابلس"؛ هما إبراهيم النابلسي وإسلام صبوح.

وفي 2 سبتمبر/ أيلول 2022، أُعلن رسميًّا تشكيل مجموعات "عرين الأسود" خلال تأبين الشهيديْن العزيزي وصبح، ورافق ذلك تنظيم استعراض عسكري للمجموعات، والإعلان أنهما مؤسسا مجموعات "عرين الأسود".

ورافق ذلك استعراض عسكري ظهر فيه مقاومو "العرين" بكامل عدتهم وعتادهم في صورة منظمة أبهرت جموع الفلسطينيين ممن حضروا المهرجان وتابعوا المشهد إعلاميًّا.

ومن الأحداث المهمة، التي رافقت تشكيل "عرين الأسود" اعتقال أجهزة أمن السلطة أحد مؤسسي المجموعات مصعب اشتية، وزجت به في سجونها وترفض إطلاق سراحه رغم صدور قرار محكمة يقضي بذلك. ونتج عن ذلك حينها خروج المتظاهرين في مدينة نابلس إلى الشوارع احتجاجًا على اعتقاله، وتلا ذلك اغتيال سائد الكوني، أحد أبرز المنتمين للمجموعات.

وبحسب مصادر محلية، فإن مجموعات "عرين الأسود" تضم شبابًا في مُقتبل العمر، يرتدون زيًّا موحدًا باللون الأسود، وتغطي فوهات بنادقهم قطع من القماش الأحمر، تأكيدًا أن لا رصاصة ستطلق هدرًا، كما أنهم بعيدون عن أي تصرفات فردية، ولا يظهرون للإعلام إلا منضبطين وموحدي الشكل والهيئة الخارجية.

وينتمي أعضاء المجموعات لفصائل مختلفة، ويعمل جميعهم تحت اسم "عرين الأسود"، دون تفرقة حزبية.

وبتاريخ 23 أكتوبر/ تشرين أول 2022، اغتال الاحتلال تامر الكيلاني، أحد أبرز أعضاء مجموعات "عرين الأسود"، بتفجير عبوة ناسفة في حارة الياسمينة بالبلدة القديمة، حيث البؤرة الأكثر خطرًا في المدينة والتي تتخذ منها مجموعة العرين مقرًا لها وحصنًا منيعًا لمقاومتها.

وفي ساعات مبكرة من فجر الثلاثاء 25 أكتوبر، استشهد 5 من أبطال "العرين"، منهم القيادي وديع الحوح، خلال اشتباك عنيف مع قوة خاصة من جيش الاحتلال اقتحمت حارة الياسمينة.

تاريخ البلدة

وشكلت البلدة القديمة بنابلس وحاراتها الضيفة في السنوات الماضية وتحديدًا بعد احتلال المدينة سنة 1967، بؤرة انطلقت منها العديد من المجموعات المقاومة ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه، وأصبحت معقلًا للمقاومة وملاذًا وحاضنة شعبية لهم أيضًا.

حتى أن مؤرخين يؤكدون أن نابلس والبلدة القديمة تتمتع بتاريخ نضالي عريض جعلها معقلًا للثورات والثائرين ضد الاحتلال الإسرائيلي ومن قبله الاحتلال البريطاني، ولقد تحولت البلدة بعد احتلال نابلس، إلى مركز للأنشطة المناهضة للاحتلال، ومنها خرجت خلايا مقاومة استشهد العديد من أفرادها ومقاوميها، مثل الشهيدة شادية أبو غزالة التي استشهدت بتاريخ 27 تشرين الثاني عام 1968 لتكون أول شهيدة في فلسطين بعد عدوان عام 1967، وكذلك الشهيدة، لينا النابلسي التي استشهدت في 16 أيار 1976.

بحلول انتفاضة الحجارة سنة 1987، تحولت البلدة القديمة إلى بؤرة للنشاط والنضال الوطني والجماهيري، إذ كانت المسيرات والفعاليات الميدانية تنطلق منها ومن ثم تعود إليها، ومنها أيضًا تبدأ عملية توزيع مناشير القيادة الوطنية الموحدة، وفيها تعقد الاجتماعات وتتخذ القرارات، وفيها أيضًا تم افتتاح المراكز الطبية لإسعاف الجرحى وتطبيب المرضى.

كما كانت مجموعات وخلايا مقاومة مسلحة انطلقت من داخل البلدة القديمة، ومنها مجموعات "الفهد الأسود"، التابعة لحركة فتح، وأسسها ناصر البوز، قبل اختفائه في ظروف غامضة عام 1989، وظهر اسمه ضمن قائمة شهداء "مقابر الأرقام"، الذين سلمهم الاحتلال في 2012.

ورغم أن السلطة سعت سعيًا حثيثًا لحل مجموعات المقاومة المسلحة بعد اتفاق (أوسلو) ودمج عناصرها في أجهزة أمنها، إلا أن استمرار جرائم الاحتلال والمستوطنين أدى إلى إعادة تشكيل هذه المجموعات من جديد، وضمت جيلًا جديدًا من الشبان في مقتبل العمر، يملكون من الجرأة والعناد ما يجعلهم قادرين على الصمود في وجه الآلة العسكرية لجيش الاحتلال.

وهذا ما يؤكده أحمد مبروكة، شقيق الشهيد أدهم المكني بـ"الشيشاني"، بأن البلدة القديمة لا تزال تشكل بؤرة أساسية لتشكيل المجموعات المقاومة للاحتلال الإسرائيلي.

بيئة مقاومة

وأضاف مبروكة: أن شقيقه نشأ في بيئة تعشق العمل المقاوم، وتحديدًا في حارة القيسارية بالبلدة القديمة، وكان يرابط فيها ومجموعة من رفاقه الذين اغتالتهم جيش الاحتلال أيضًا.

ويقول أحمد عن شقيقه، إنه كان متعلقًا بفكر المقاومة، وهو يعرف منذ صغره الشهيد أمين اللباد، أحد مقاتلي كتائب شهداء الأقصى، إذ كان مقيمًا في بيتهم بحارة القيسارية قبل اغتياله على يد قوة من جيش الاحتلال.

وكان الشيشاني الذي شكل اغتياله ومجموعة من رفاق دربه، باكورة "عرين الأسود"، اعتُقل وهو في عمر (18 عامًا) وقضى خلف قضبان سجون الاحتلال 3 سنوات، بذريعة زرع عبوة ناسفة قرب موقع عسكري في جبل الطور جنوبي نابلس، وبعد تحرره اعتقل في سجون السلطة قرابة 3 سنوات أخريات.

طعنة في الظهر

وبحسب رأي الباحث والكاتب السياسي مجدي حمايل: فإن تصاعد الفعل المقاوم في نابلس وغيرها من مدن الضفة الغربية مرتبط بانسداد الأفق السياسي لدى السلطة التي تتعلق بوهم وسراب التسوية مع الاحتلال.

وأكد حمايل لصحيفة "فلسطين" أن عملية "التسوية" كلها شكلت طعنة في ظهر القضية الفلسطينية، وأوصلت الشعب الفلسطيني إلى مرحلة من الإيمان والاقتناع بأن هذا الوهم السياسي لن يمنحه الحرية ولا دولة.

وبيّن أن "مجموعات عرين الأسود في نابلس على قناعة بأن المقاومة بغزة، تقف سندًا لها وفي ظهرها".

وعدَّ أن انتصار المقاومة الشعبية في جبل صبيح بقرية بيتا بنابلس، من أهم العوامل التي بعثت الأمن والأمان في نفس في كل نابلسي، ولذلك بدأ المقاومون يبحثون عن وسائل جديدة لمواجهة الاحتلال وتشكيل ضغط على جيش الاحتلال والمستوطنين.

ونبَّه حمايل إلى أن جيش الاحتلال والمستوطنين في مواقف عديدة؛ انسحبوا تحت ضغط المقاومة الشعبية والمسلحة في أكثر من مشهد بنابلس وغيرها من مدن الضفة.

وتابع: أن أهالي نابلس وشبابها ومجموعات المقاومة فيها، يؤمنون أن المقاومة هي الطريق الوحيد من أجل إنجاز الحرية والتحرر من الاحتلال، وأنشأوا مجموعات مسلحة امتدادًا لمعركة سيف القدس.

وبيَّن أن لجوء الشباب في نابلس إلى التفكير بطرق جديدة للدفاع عن أنفسهم وحماية المدينة من الاقتحامات، وحمل السلاح، وتشكيل شخصية فلسطينية جديدة في الضفة مليئة بالعناد والصمود والمعنويات العالية، تزامن مع عجز السلطة وأجهزة أمنها عن القيام بواجبها وتحقيق هذه المهمة.

وبسبب خشية الاحتلال من مجموعات العرين، لم يعد المستوطنون قادرين على اقتحام قبر يوسف لأداء طقوسهم هناك، بحسب حمايل.