في قرار أممي غير مسبوق، اعتمدت اللجنة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً حول ضرورة أن يتخلص كيان العدو وهو "قوة الاحتلال" من أسلحته النووية، قرار قدمته جمهورية مصر العربية ودولة فلسطين وقام برعايته عدد من الدول الشقيقة والصديقة.
كما تم اعتماد قرار آخر يؤكد أهمية إنشاء منطقة شرق أوسط خالٍ. من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية، في الوقت الذي أكدت فيه معظم دول العالم أهمية أن تتعاون "تل أبيب" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن قدراتها النووية، وأن تفتح مفاعلاتها الذرية أمام المفتشين الأمميين.
وتعتبر دولة الاحتلال القوة النووية السادسة في العالم، وذلك لحيازتها رؤوساً نووية، وما تمتلكه يمكن إطلاقه إلى مسافات تزيد على 1500 كيلو متر باستخدام صواريخها المسماة "أريحا"، إضافة إلى القنابل النووية التي يُمكن إلقاؤها من الجو بواسطة الطائرات الفرنسية "رافال" التي استوردتها في بداية الستينيات لهذا الغرض.
ووفقاً لما أُثْبِتَ من حقائق فقد بَدَأَ تشغيل مفاعل ديمونة الذي يقع في قلب صحراء النقب نهاية عام 1963، ويعتبر أهم منشأة نووية في البلاد.
وتشير التقديرات إلى أن دولة العدو تمتلك ما بين 200 – 250 قنبلة نووية، مع تأكيد عدد من المصادر الغربية –من بينها الفرنسية والبريطانية والألمانية– أن "تل أبيب" تمتلك أيضاً كميات كبيرة من اليورانيوم والبلوتونيوم تسمح لها بإنتاج ما يزيد على 150 قنبلة نووية أخرى.
وَيُعَدُّ هذا الملف أحد أكبر أسرار الحياة النووية في العالم، حيث رفضت دولة العدو منذ تأسيسها غير الشرعي أن تشملها عمليات التفتيش الدورية التي تجريها وكالة الطاقة الذرية على المنشآت النووية في العالم، وهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لم توقع اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، ومعلوم أن جميع الدول العربية قامت بالتوقيع، الأمر الذي يضع الملف النووي للكيان الاستيطاني "خارج التغطية".
لقد أكد قرار اللجنة الأولى للأمم المتحدة، أن الهدف هو الوصول إلى شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي، بما يعزز السِّلمَ والاستقرار الدوليين وأحد وسائل إعلاء سيادة القانون في العلاقات الدولية، في الوقت الذي ترفض فيه المستوطنة قبول ذلك أو حتى الانخراط في أي جهود توصل إليه، وهي موغلة في الولوغ في الدم الفلسطيني وفي خرق القوانين الدولية، بل وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتستخدم كامل ترسانتها العسكرية ويمتد ذلك لاستخدام الأسلحة المحرمة دولياً.
كما أشارت الأمم المتحدة إلى انزعاجها الشديد فيما يتعلق بالمعلومات التي تصلها حول "تل أبيب" في تطوير وإنتاج وحيازة الأسلحة النووية وتجاربها على منظومات إيصالها في منطقة البحر المتوسط وصحراء النقب، إلى جانب قلق المنظومة الأممية في وضع ترسانتها النووية في حالة تأهب خلال النزاعات في الشرق الأوسط، وكان من بينها حرب أكتوبر عام 1973.
وتطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتحرك ومن الأمين العام متابعة الخطوات التي تتخذها الوكالة لإخضاع جميع المرافق النووية في الكيان تحت ضمانات الوكالة لمنع التهديد أو القيام بأي هجوم والتزام جميع الدول والمنظمات عدم التعاون أو المساعدة في تعزيز قدراته النووية.
ويكشف الباحث الأمريكي ليونارد ويز الذي يعمل في مركز الأمن والتعاون الدولي التابع لجامعة ستانفورد أن امتلاك دولة العدو للسلاح نجم عن عملية خداع دنيئة كان أصلها عمليات تفجيرية قام بها يهود مصريون قُتِلَ فيها كثير من المصريين وتدمير عدد من المؤسسات لتخريب علاقة مصر مع الغرب في خمسينيات القرن الماضي والتي عُرفت باسم "فضيحة لافون" الذي كان مسؤولاً عنها بنحاس لافون وزير حرب الاحتلال للإيحاء بعدم استقرار الأوضاع السياسية في مصر لوقف دعم الغرب للقاهرة في بداية حكم عبد الناصر والذي أدى إلى عزله، ونتيجة ذلك تم تأميم قناة السويس حين أوقفت أمريكا كذلك وعدها بدعم بناء السد العالي وأدخلت فرنسا وبريطانيا مع "تل أبيب" في العدوان الثلاثي على مصر.
ملابسات الفضائح التي أوقع فيها الصهاينة باريس ولندن فرضت عليها تزويد دولة العدو بكل تقنيات بناء القنبلة النووية التي كانت عرابته فرنسا مع شيمون بيريز حين كان وزيراً للخارجية.
وفي عام 1958 بدأ تعاون باريس/ تل أبيب لإنتاج سلاح نووي في مفاعل ديمونا، ولافت أن هذا التعاون قد أدخل الفرنسيين أنفسهم أعضاء في النادي النووي أيضاً حين قاموا بأول تفجير نووي لهم عام 1960 وَقتَ سمح الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول لخبراء الكيان بالمشاركة في منطقة "جودي بفران" في الجزائر قبل استقلالها عام 1962؛ وهو ما يعني أن هذه الشراكة كانت المدخل لذلك.
كما أكدت وثائق سرية أفرجت عنها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق الديمقراطي باراك أوباما عام 2014 بأن واشنطن وافقت عام 1969 على وجود خيار نووي لدى "تل أبيب" مع تَعَهُّدٍ بالامتناع عن الضغط عليها للتخلي عن "مساعيها النووية"!
كما تُبَيِن وثائق إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون حين استقبل رئيسة وزراء دولة العدو غولدا مائير بالبيت الأبيض نهاية أيلول 1969 أنها سَلّمتْهُ "الرفض الثلاثي" الذي يَشتمل على: رفض توقيع ميثاق منع انتشار السلاح النووي، ورفض الموافقة على رقابة أمريكية على مقر الأبحاث النووية في ديمونة، ورفض ربط الحصول على طائرات حربية بالتخلي عن السلاح النووي وصواريخ أرض/ أرض إستراتيجية من طراز "أريحا" ذات مدى يصيب عواصم عربية مثل القاهرة ودمشق وعمان وبيروت، وهي تواصل تطويرها لتوسيع الدائرة إلى أبعد مدى ممكن.
ويصف مراقبون حجم تهديد "تل أبيب" النووي بأنه خطير للغاية، وكان رئيس الوزراء المؤسس بن غوريون يردد دوماً أن السلاح النووي هو خير وسيلة لتحقيق التوازن والردع لتحييد التفوق الديموغرافي العربي، ودعا إلى ضرورة إجهاض أي محاولة عربية لامتلاك هذه الأسلحة، وهذا ما تم تنفيذه فعلاً بضرب المفاعل النووي العراقي في حزيران 1981، ومركز الأبحاث السوري، وقتل كُثُرٌ من العلماء النوويين في مصر والعراق وإيران.
لهذا كله تعمل "تل أبيب" بكل ما تمتلك على منع حصول أي دولة عربية على سلاح متطور أو من أسلحة الدمار الشامل، فكيف بالسلاح النووي، ونلحظ حجم الضجيج الذي يستمر فُصولاً حول خشية امتلاك إيران هذا السلاح.
وتكفي الإشارة إلى ما قاله الجنرال "إفرايم سنيه"، وكان نائباً لوزير حرب العدو، إنه "في حال طَوّرَ العرب سلاحاً نووياً، فلا حاجة لاستخدامه ضدنا كي ننهار، فبمجرد علم (المواطنين) به فإن نصفهم سيهرب على الفور"، وأضيف أن نصفهم الآخر لن ينتظر طويلاً، وهذا ما ستُحققه أيضاً قنبلة الإرادة النووية التي يمتلكها الشعب الفلسطيني التي تفرض ومنذ زمن بدء العد التنازلي لكيان دموي عنصري بأن يسقط مرة وإلى الأبد.