ازدياد وتيرة الأحداث وتصاعد العمل المقاوم في جسم الضفة جعل الاحتلال يفقد السيطرة ويحاول جلب إنجاز سياسي غير ملموس من خلال عمليات عسكرية ينفذها في جنين ونابلس، وهذا الأمر لم يُعوَّل عليه نتيجة تشتت الناخبين اليهود في انتخاب من يمثلهم بحكومة لم تستطِع الاستناد إلى نفسها في إثر التجاذبات الحزبية اليمينية المتطرفة والمتشددة. عمليات الضفة تَصعَد على قوائم انتخابات الكنيست، أزمة استقرار حزبي وتفسخ سياسي في الكيان، الأمر الذي قد يؤدى إلى حالة تجميد الاستيطان مقابل تثبيت معادلة الأمن وتحقيق الهدوء في الضفة الغربية والداخل المحتل.
على حين تستعد الحكومة الصهيونية لإجراء انتخابات الكنيست الخامسة للدورة الـ36، فإنها كانت تستبق تلك الانتخابات بضربة عدوانية أو عملية عسكرية لكسب ثقة الناخب الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، للوصول إلى عرش الحكومة، أما المقاومة فصفعت منظومة الأمن الصهيوني وضربت عمق المحتل في مقتل وفي عقره، لتثبت وتؤكد تجذر العمل المقاوم وتصاعده في كل أرجاء الضفة الغربية المحتلة بصحوة شعبية ووعي ثوري لاقتلاع بني يهود، وما بين الانتخابات وتشكيل حكومة الكيان، صخرة الفدائيين في ضفة الأحرار وقدس الأبطال، الذين كانوا بالمرصاد للمحتل، من جنين القسام سطرت الملحمة، وجبل النار بنابلس شكلت عرين الأسود، وبيت لحم ورام الله وأريحا فجرت بركانًا ثوريًّا لكتيبة الحق في الخليل التي زمجرت رصاصها لتقول كلمتها، في المقابل يقاطع فلسطينيو الـ48 مشاركتهم في انتخابات الكنيست، وهي الضربة الأقوى لتشكيل أزمة سياسية وفجوة هلاك لكلا معسكرَي المنافسة الانتخابية (لابيد-نتنياهو).
نتائج مقاطعة فلسطينيي الـ48 لانتخابات الكنيست تعزز التراجع التمثيلي بحسم معسكر على آخر، في إثر حالة عدم الاستقرار وعدم الثبات لدى قيادة الاحتلال، وتشتت عربي كبير في الدورة الانتخابية الـ36 التي ما زالت تراوح مكانها للمرة الخامسة على التوالي، في حين يراهن معسكرا المنافسة على المشاركة العربية في انتخابات الكنيست لحسم تشكيل الحكومة في إطار ضيق غير مجانس في التركيب الائتلافي، ووسط هذا المشهد اليهودي تفككت القائمة المشتركة للأحزاب العربية، التي حصلت في دورات الانتخابات السابقة على 13 إلى 15 مقعدًا، لتخوض الانتخابات هذه المرة مشتتة بين تحالف الجبهة العربية والحركة العربية للتغيير، وقائمة التجمع الوطني، ينافسها تيار عريض في أوساط فلسطينيي الداخل يدعو لمقاطعة انتخابات الكنيست الإسرائيلي.
الأقرب لتشكيل الحكومة المرتقبة من خلال استعراض فرص بنيامين نتنياهو وتحالفاته مقابل لبيد في الانتخابات الجديدة، يشير إلى أن نتنياهو أقرب للعودة إلى تشكيل الحكومة المقبلة، وذلك في إثر تفكك القائمة المشتركة وتشتت الأحزاب العربية، وسط تقديرات بانخفاض نسبة التصويت في صفوف المواطنين العرب واتساع دائرة المقاطعة بينهم، وانقسام الأحزاب العربية، فما كان بمقدور نتنياهو الذي يواصل دعم معسكر اليمين اقتناص فرصة تشكيل الحكومة والعودة إلى رئاسة الوزراء بحكومة يمين ضيقة قد لا تصمد طويلاً، عندما كانت الأحزاب العربية تحت مظلة واحدة هي "المشتركة"، التي حققت إنجازًا بتمثيل عربي غير مسبوق في الكنيست، على حين عجز نتنياهو عن ضمان أغلبية 61 من أصل 120 عضو كنيست لتشكيل حكومة، كما أن الكيان ومنذ 9 إبريل/نيسان 2019 توجه إلى 4 معارك انتخابية فشل فيها نتنياهو في تشكيل الحكومة، ولعل أحد الأسباب كان وحدة الأحزاب العربية ضمن القائمة المشتركة، أما اليوم في الانتخابات الخامسة "يوظف نتنياهو تفكك الأحزاب العربية ويحولها إلى عامل قد يساعده على تشكيل الحكومة المقبلة عند تراجع التمثيل العربي البرلماني".
بدا مشهد انتخابات الكنيست الـخامسة والمقررة صبيحة الأول من نوفمبر/تشرين الثاني ضبابيًّا أيضًا هذه المرة مع احتدام التنافس بين معسكر الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو والمعسكر المناوئ له والممثل بحكومة يائير لبيد، وبين هذا وذاك يزيد انقسام الأحزاب الأخرى من خلط الأوراق حول المنافس الأكثر حظًّا لتشكيل الحكومة القادمة، وفي محاولة لكسر حالة التعادل بين المعسكرين المتنافسين لا يستبعد أن يبادر وزير الجيش بيني غانتس بعد الانتخابات لتشكيل حكومة واسعة أو الانشقاق عن "المعسكر الوطني" الذي يقوده والانضمام إلى حكومة مع الليكود، في حين يسعى نتنياهو للحفاظ على الهدوء والاستقرار بمعسكر اليمين الذي يتزعمه وتجنب احتمال التمرد ضده، ونزوع لليمين المتطرف وتشتت عربي متناقض، إذ بات التنافس بين الأحزاب الإسرائيلية على أساس فكر اليمين التقليدي الذي يمثله حزب الليكود بزعامة نتنياهو، وبين فكر وطرح اليمين المتطرف الذي يمثله رئيس حزب "عظمة يهودية" إيتمار بن غفير، وزعيم حزب "الصهيونية الدينية"، ويحكم تحالفات واصطفافات الأحزاب اليهودية التوافق أو الانقسام حول شخصية بنيامين نتنياهو، وذلك على خلفية تورطه في ملفات فساد لا يزال يحاكم بسببها.
الخلاصة: اقتلاع المقاومة الفلسطينية وتأثيرها في تحقيق معادلة عدم الاستقرار السياسي في المشهد الصهيوني، أدى إلى عدم تشكيل حكومة صهيونية وربما لن تصل إلى تشكيلها.