رزمة من القرارات بقانون أصدرها رئيس السلطة محمود عباس، ليتحكم من خلالها بجميع مفاصل الحكم، توجها أخيرًا بقرار يقضي بإنشاء المجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية برئاسته، لينهي أي أمل في استقلالية المؤسسة القضائية.
ويضرب القرار بقانون الذي صدر أول من أمس، القضاء في الضفة الغربية في مقتل، ويفقد ثقة المواطنين به كاملًا، ويعطيه "الحق" في التحكم بجميع القرارات والقوانين.
ويتكون المجلس من رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس مجلس القضاء الأعلى -رئيس محكمة النقض، رئيس المحكمة الإدارية العليا، ورئيس الهيئة القضائية لقوى الأمن، ورئيس مجلس القضاء الشرعي، ووزير العدل، والمستشار القانوني لرئيس السلطة، النائب العام.
وسبق هذا القرار بقانون إصدار عباس أكثر (٤٠٠) قرار بقانون كان أخطرها "حل المجلس التشريعي"، وإلغاء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخاب المجلس الوطني، التي تهدف جميعها إلى إحكام سيطرة عباس على الحكم كاملًا، وتوظيف تلك القرار لخدمة حركته.
المستشار القانوني أسامة سعد، يؤكد أن القرار بقانون الذي أصدره عباس، يعبر عن حالة التفرد التي تسيطر عليه، والديكتاتورية الشديدة التي يتعامل بها مع الشعب الفلسطيني.
ويقول سعد في حديثه لـ"فلسطين": "رئيس السلطة، وضع نفسه على كل المؤسسات القضائية في فلسطين".
ويوضح أن كل الهيئات القضائية تعمل من خلال توجه عباس ورؤيته الفردية، وأصبحت له الولاية المطلقة بجميع القرارات القضائية.
ويبين أن قرار بقانون الأخير يعد تأكيدًا للحكم الشمولي بالضفة الغربية المحتلة، من خلال تحكم وتفرد رئيس السلطة بجميع القرارات والقوانين دون الرجوع لأي أحد.
بدوره، يؤكد المحلل السياسي، مصطفى الصواف، أن الحكم بالضفة أصبح شموليًّا بالفعل، إذ إن عباس ألغى المجلس التشريعي، وعيّن نفسه رئيسًا للمجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية، وجعل النقابات جميعها في يده.
يقول الصواف في حديثه لـ"فلسطين": "الواقع السياسي بالضفة الغربية أصبح ديكتاتوريًّا، إذ إن عباس سيطر على كل مفاصل العمل، ولم يعد هناك انفصال بين السلطات الثلاث".
ويضيف الصواف: "ما يحدث الآن بالضفة هو حكم الفرد الواحد، والقرار الذي صدر وتولى من خلاله عباس مجلس القضاء، هو استكمال لجميع فردية الحكم".
ويوضح أن الثقة غابت عن القضاء بعد تولي عباس رئاسته، واستمراره في تعيين القضاة، إذ إن هناك غيابًا لتأثير القضاء وتنفيذ قراراته.
سيطرة وديكتاتورية
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي، ذو الفقار سويرجو، أن عباس منذ البدايات يسيطر على جميع مفاصل السلطة من منظمة التحرير، وحركة فتح، والتدخل في تعيين القضاة، وهو صاحب القرار الأول والأخير.
ويقول سويرجو في حديثه لـ"فلسطين": "لا قيمة للأصوات المعارضة أمام الديكتاتورية التي يمارسها (رئيس السلطة) في اتخاذ القرارات".
ويضيف أن عباس: "يحاول الآن ضمان مستقبل السلطة من خلال ألا يخرج عن مخططاته انتقال السلطة إلى أطراف تتقاطع مع رؤيته السياسية خاصة بالاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال، والتفاهمات الأمنية والتنسيق الأمني".
ويوضح أن رئيس السلطة يريد حماية قراراته من خلال توجيهه للقانون لصالحه والسيطرة عليه، لقطع الطريق أمام أي قضايا ترفع للطعن بها.
ويبين أنه عندما تتم السيطرة على القضاء فلم يعد له قيمة، بل أصبح مجرد وهم، وتصبح قدرات الفلسطينيين على مواجهة رئيس السلطة ضئيلة جدًا.
ويشير إلى أن الانقسام سمح لرئيس السلطة بالتفرد بالحكم، إذ أصبح يحول الانتقادات إلى سياسية وحزبية، إذ أُعفِي من الانتقادات الإدارية.
وشدد على أن "المطلوب من الجميع العمل على تعرية وفضح كل السياسات بحيث يصبح أي قرار من (رئيس السلطة) بعد ذلك متعلقٍ بالقضاء يكون غير شرعي".
قرارات فردية
إلى ذلك، أكد عضو نقابة المحامين المحامي أحمد الخطيب، أن تعطيل المجلس التشريعي وإلغاء الانتخابات التشريعية وغياب الوحدة الوطنية أدى إلى إصدار قرارات فردية في مجالات عدَّة.
وأشار الخطيب في تصريح خاص لصحيفة "فلسطين"، إلى أن مهمة المجلس التشريعي سن القوانين، إذ يمثل نبض الشارع الفلسطيني وإلغاء الانتخابات حال دون انتخاب ممثلين يؤدون دور التشريع والرقابة على الحكومة ومختلف القطاعات الأخرى.
وأوضح أن هذا الأمر تسبب أيضًا بغياب الوحدة الوطنية التي تشكل رافعة للفلسطينيين في مواجهة التحديات ومشاريع التصفية للقضية الفلسطينية وتهويد مدينة القدس.
وقال: "لا يمكن حل الوضع الفلسطيني الحالي بقرارات فردية دون أن تكون صادرة من مجلس منتخب، فالقرارات بقانون لا يمكن أن تكون بديلًا من مجلس تشريعي منتخب، والشعب الفلسطيني له تجربة في الانتخابات التشريعية السابقة".
وأوضح أن احتكار إصدار القوانين في مجال القضاء وغيره "يؤدي إلى احتقان شعبي يرفض التفرد بالقرارات"، لافتًا إلى أن السلطة القضائية تتمتع باستقلالية تامة ولا يجوز التدخل في هيئاتها.
وعدَّ ردة الفعل الرافضة للقرارات الفردية "دليلًا على أن القرارات بقانون لا تمثل الشعب، لأنها صدرت بشكل فوقي منفرد"، مشددًا على أن هذا الأمر له تداعيات كثيرة على المجتمع الفلسطيني في كل القطاعات، فإصلاح الوضع الحالي لا يكون بسن قوانين وقرارات دون الرجوع إلى الهيئات التشريعية المنتخبة.
وأضاف: "آن الأوان للدعوة إلى انتخابات تشريعية بانتخاب مجلس تشريعي لسن قوانين ومن أجل حماية مستقبل هذا الشعب، فنحن في عرف القانون الدولي دولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة وعلينا واجبات تجاه ذلك، منها وجود السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، دون أي تداخل بينها".
وطالب الخطيب، بوقف إصدار أي قرارات فردية سواء كانت في سلك القضاء أو في قطاع النقابات وغيرها، "فالواجب الوطني يحتِّم علينا وقف التدهور والفوضى الداخلية والخروج من هذه الأزمة والحفاظ على إنجازات الشعب الفلسطيني وصموده وتحديه للاحتلال".
وختم حديثه: "من حق الشعب الفلسطيني على قيادته السياسية والفصائلية العمل على حماية كل المقدرات التاريخية جماعيًّا، ومن دون تفرد أي جهة".