ما يُتداوّل بشأن بعض الجهات التي تساوم المقاومين في نابلس لا يعبر إلا عن استغفال واستخفاف بفكرة شعب وتحرر ومقاومة وتطور، بل ويتعداها إلى عراقيل توضع سواء اجتماعية أو نفسية أو سياسية وميدانية أمام فكرة الشباب الفلسطيني الجديد، وغير المستغرب هو ذاك السلوك من الأشخاص أنفسهم الذين تجندوا خدما برتب ومسميات عطوفة وفخامة وغيرها تحت بسطار الجنرال الأمريكي الذي أعد خطة الفلسطيني الجديد والسلام الاقتصادي.
وهذا الاستفراد بالمقاومين وممارسة تلك الضغوط عليهم بحجة أن الوقت غير مناسب وأن الأمور أكبر منهم وأن الاحتلال سيدمر الضفة في حال استمر نشاطكم، وأن أهاليكم تحت النار والعقوبات، وأن الحياة لا تطاق بوجودكم مسلحين، وأن القضية الفلسطينية لا تحل إلا بالتفاوض والضغوط الدولية.. كلها نفس المبررات والحجج التي سيقت حينما فرضوا اتفاقية أوسلو سيئة الذكر على الشعب الفلسطيني مطلع التسعينيات وأحدثت الانقسامات في الشارع، وشتتت الجهود والانتفاضة وشوهت الثورة وحولت منظمة التحرير إلى شركة التمرير.
هذا التطور الذي يعد الأكثر سوادا على الشعب الفلسطيني استمر منه فقط التنسيق الأمني وماكينة الإحباط الإعلامي والاجتماعي، واستنسخوا تجربة الأنظمة العربية ليعززوا راحة للاحتلال وأذرعه في كل المنطقة العربية.
هذه الفئات هي ذاتها التي تتجند لتخمد الانتفاضة في الداخل المحتل عام ١٩٤٨، حتى أن بعض "أزلام" هذه الجهات قال نصا حرفيا لقيادات في الداخل (توقفوا عن التضامن معنا يجب أن تهدأ مدن الداخل حينما تشتعل الضفة حتى لا ننجر إلى مربع العنف، فالمشكلة مع الاحتلال فقط في الأرض المحتلة عام ١٩٦٧)!
وهي ذاتها الجهات التي حاولت مرارا وتكرارا ترغيبا وترهيبا القضاء على نموذج المقاومة في غزة إلى الآن بنسج مؤامرة تلو الأخرى وتتنقل بين العواصم لإنجاح فشلهم.
هي الجهات ذاتها أصلا التي قلبت انتفاضة الأقصى الثانية بموازين أمنية لمصلحة الاحتلال وشرعنت هيمنته على سيادة أصلا وهمية في مدن صنفها العالم أنها فلسطينية أمنياً وإدارياً، وحججهم حاضرة دائما وانتقالهم سهل لمربع الشعب والمؤامرة عليه في آن واحد.
لذلك هذا الاستخفاف والاستغلال للمشهد العام الآن يلقي بكل ثقله على نابلس وجنين كي لا تدوم الحالة أو تنجح الغاية، يصرون على نهج الترويض والتثبيط لمصالح يجملونها أنها وطنية وحقيقتها اقتصاد الأبناء ووصية الأسياد.
وإن لم تكن لدى الفصائل الفلسطينية سياسة إستراتيجية في مواجهة تلك الخباثة الأمنية المستهدفة لكل ما هو فلسطيني بألوانه وميادينه واتجاهاته سنصطدم بخيبة أمل وإحباط يسيطر بعد هذا البذل والدم والألم، سيكون المشهد مؤلما لنا جميعا أن أسدل الستار على مرحلة كادت تضيء المصباح بقوة وتطفئ الاحتلال بإرادة.
ومن الخطوات العملية التي يجب أن تكون حماية للفكرة القائمة:
* فضح كل تحرك لهذه الفئات التي تضغط على المقاومين وأهاليهم.
* تركيز إعلامي كبير على دور التنسيق الأمني الناعم والخشن الذي يستخدم اتفاقية أوسلو سيئة الذكر حتى لا يبقى للاحتلال وسيلة لضرب الشعب وحاضنته.
* التفاف فصائلي حول بؤر المقاومة من خلال الإسناد الجماهيري والإعلامي والمادي.
* تعزيز النظرية الثورية في الأجيال والتعليم والإعلام وكل الدوائر لقطع الطريق على حالة الاستفراد التي تمارسها تلك الفئات لإحباط المقاومين وعزلهم عن بيئتهم.
* أهمية الخطوات الموحدة الواسعة سواء الإضراب العام أو المسيرات أو غيرها من الداخلية والخارجية حتى لا يتسلل للمشهد غلمان الاحتلال، فيستخدموا التضامن تشويهاً للمقاوم وعقاباً للحاضنة في قوتها وحياتها اليومية وإدخال الفوضى والزعرنة على المجتمع بزعم الغضب من أجل المقاومة.