تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصارا على محافظة نابلس وبلداتها منذ أكثر من أسبوعين، حيث تمنع الخروج منها وتسمح بالدخول إليها بإجراءات صعبة جداً، لعزلها عن بقية المدن والبلدات الفلسطينية الأخرى، خاصة محافظة جنين بهدف قطع الطريق على تواصل المقاومة عملاً بسياسة فرق تسد، التي يتبعها الاحتلال ضد الفلسطينيين، وهذا يدلل على ضعفه وعدم مقدرته السيطرة على محافظات الضفة، لما يواجهه من مقاومة شرسة لم يشهدها منذ سنين، وهو يحاول جاهدا تطويق كل بؤرة جديدة للمقاومة كي لا تتفشى في بقية مدن الضفة الغربية، وحاول هذا مرارا وتكرارا مع مخيم جنين، وكان لذلك نتائج عكسية، فقد انتقلت الحالة إلى نابلس، وهو الآن يضغط بكل ما أوتي من قوة وعبر التنسيق مع أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية، لوقف تفشي ظاهرة المقاومة المسلحة، كي لا تخرج نابلس عن السيطرة كما هي جنين الآن.
إن الحصار الذي تفرضه (إسرائيل) على نابلس لم يكن جديدا، فسبق لها أن حاصرت المدينة في أعقاب انتفاضة الأقصى في عام 2000، وكذلك حصار جنين، والخليل، ورام الله، والقدس، وبيت لحم، وقطاع غزة، وعليه فإن الحصار الإسرائيلي المفروض على المدن الفلسطينية لم يتوقف منذ الاحتلال، لكن وتيرة استخدام هذا الأسلوب تفاوتت من منطقة لأخرى، حسب حالة الفشل الأمني والعسكري الإسرائيلي أمام صمود المقاومة حتى وإن كانت لفترة قصيرة أو لفترة طويلة الأمد كما هو الحال في غزة الصامدة والمحتسبة والمتحدية للعدوان والحصار الصهيوني الهمجي المتواصل على الغزيين لأكثر من خمسة عشر عاما على التوالي، حيث شنت قوات الاحتلال حروبًا عديدة دمرت خلالها البنية التحتية بالكامل.
فلا يوجد نظام في العالم يحاصر مدنا وأقاليم بأكملها، مثل النظام العنصري الصهيوني واقتراف مجازر ضد الشعب الفلسطيني، للضغط بشكل أكبر من خلال استخدام أسلوب الحصار أينما تواجدت المقاومة الفلسطينية، وكلما أثبتت وجودها وقوتها ورسالتها. فلو رجعنا قليلا لتاريخ الصهاينة في فلسطين، نجد أن هذا الأسلوب من الحصار القاتل مارستها من قبل العصابات الصهيونية (هاجاناه وإتشيل واشترين) الإرهابية، لتفريغ المدن والقرى والفلسطينية بارتكاب المجازر تلو المجازر ضد المدنيين وتهجير ما تبقى فيها، ولعل أشرس المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني مجزرة دير ياسين في عام 1948، وأحدثها مجازر صبرة وشاتيلا وصولا إلى مجازر غزة ونابلس وجنين.
يعتقد الاحتلال أن إطالة أمد الحصار لنابلس ورقة ضغط على أهلها كي ينفروا من هذه الظاهرة، وأن هذه السياسة سوف تؤتي أكلها، لكن تبين عكس ذلك، فرغم الحصار الصهيوني لا تزال نابلس جبل النار صامدة، ولم ترفع الراية البيضاء للاحتلال، وهي اليوم واحدة من أروع صور البطولة والتحدي، ومن الطبيعي أن يحاول الاحتلال استخدام كل الأساليب بهدف النيل من إرادتها الأبية على الانكسار.
الواضح أن حصار الاحتلال لنابلس نابع من عجزه وفشله الأمني الكبير من جراء تصاعد الفعل الفلسطيني المقاوم في الضفة، حيث يعتقد أنه بهذا الحصار يستطيع خنق المجموعات المقاومة وإيجاد حلول أمنية، ولكن كل التجارب أثبتت أن الحلول العسكرية لم تفلح في تثبيت حالة الاستقرار في مدن الضفة. فالاحتلال لم يتعلم من درس غزة بأن إطالة أمد الحصار يعمل على تصاعد التوتر وعمليات المقاومة الشعبية والمسلحة، وكل التجارب أثبتت أن الحلول العسكرية لم تفلح في تثبيت حالة الاستقرار في مدن الضفة.