فلسطين أون لاين

روتين قاتل للمقاومة

يتكرر المشهد المتضامن مع المقاومة بينما حالة الغضب لا تتوسع أو تأخذ شكلًا جديدًا تستهدف فئات أو تطور رسائل، ولذلك بات لزامًا على الفصائل الفلسطينية أن تجلس جلسة ثورية عميقة لتطور أساليبها في كثير من الزوايا والجوانب الوطنية، فليس عيبًا أن تتم مراجعة الوسائل وتعميق الهدف منها، حيث أن المعادلة باتت معقدة وتحتاج لوقفة مهمة تاريخية تعزز الصمود وتوسع التضامن وتحمي الحاضنة وتقرّب وجهات النظر وإلا ستصبح كل هبة ثورية مرحلة تنتهي باختلاف وجهات النظر  والسبل، وتهدر الوقت والطاقة في الجدل حول الآليات وتنتهي كما غيرها.

أوجه باتت يجب أن تتغير أو تتطور أو يتم تعديلها لتشمل الفكرة والهدف والرسالة الداخلية والخارجية والفئة المستهدفة والجغرافيا، ومن هذه الأوجه:

* شلل الجامعات والمعاهد دون إيصال رسالة، ونحن جميعًا ندرك أن ساعتين من الغضب في أروقة الجامعة مع تعليق الدوام ومسيرة تشارك فيها كل شرائح الطلبة أهم بكثير من شلل ليس إستراتيجيًّا بل تناكفيًّا أو بديلًا لفراغ ميداني.

* مدارس يتعطل الطلبة فيها دون أن يعرفوا ما سبب خروجهم منها أو الجلوس في المنزل.

* إحراق الإطارات في أزقة القرى والمدن والمخيمات دون وجود جنود أو مواجهة.

* تضارب في نقل الأخبار وتوتير وتخويف وتنفير من المقاومة بحجة الخبر العاجل أو فضول السباق.

* شلل الاقتصاد الصغير الذي يمس حاجة الناس وبقاء الاقتصاد الكبير دون تعطّل، فتختفي الرسالة وتصبح نكاية بين منادٍ بالإغلاق وطالب للإيضاح.

* مشاحنات مجتمعية تخفي المشهد الأصلي وتنقل البوصلة من غضب لدماء الشهداء ونصرة للمقاومة إلى حالة تخوين أو تجاهل أو مسايرة عن مقتٍ وعدم قناعة، كلها أصناف تنطبق على مواطنين ومدارس وتجار وغيرها من الشرائح فتتشتت الجهود للفكرة الرئيسة ويصبح حل الخلافات أو التهديد أو فتل العضلات في جزئية الانصياع أو التمرد على قرار الإضراب الذي يتكرر دون ديمومة أو إستراتيجية، حتى أن البعض يراه تغطية على تقصير فصائلي أو رسمي كي يقال فقد قيل.

* الإضراب الشامل دون سقف زمني أو فئة مستهدفة أو جغرافيا.

في ظل ما ذكرناه من تكرار مشاهد على مدار عقود من الزمن خلّفت لنا شرخًا بدلًا من الترابط، وفتنة بدلًا من الوحدة، وقفزًا وتشتتًا بدلًا من الدعم والإسناد، وتشويش رؤية بدلًا من وضوح الرسالة والتعبئة والتوجيه، لذلك علينا أن نعيد التعمّق في تطوير أو تغيير أو إعادة ترتيب لهذا المشهد حتى لا يتحول إلى روتين قاتل للمقاومة وللحاضنة وبالتالي ينجح الاحتلال في ربط الهدوء وعدم المقاومة بالاقتصاد وأن يجعل المقاومة مرتبطة بالعنترية والإضراب دون ديمومة والتعطيل دون دراية وترابط، وعلى كل الوجوه على الأقل نفقد أهم عنصر وهو الالتفاف حول المقاومة.

وهنا حبذا لو تم التطوير بقرار جماعي هدفه:

* العمل على برنامج ثوري للجامعات والمعاهد ليس مقتصرًا على الإضراب دون سقف زمني، بل يضم التجمهر والتعزيز والثقافة والوحدة ورسائل دولية لجامعات العالم بكل اللغات، والحشد الذي هو أخطر مليون مرة على صورة الاحتلال في العالم من جامعة خالية دون هدف، فالاحتلال يسعى لسلخ الحاضنة عن المقاومين ليظهرهم أنهم شلة زعران لا عمق شعبيًّا لهم.

* وقفات مهيبة للجاليات والمؤسسات الدولية واختيار العناوين الأهم.

* تعزيز حب الناس للمقاومة وربطها بكرامتهم لا بفقرهم وانسداد لقمة عيشهم، ولذلك وحتى لا تحدث مناكفات مع الناس أو التجار أو العاملين يجب أن يتم تحديد الإضراب لمدة ساعتين تشل فيه الحركة وتوصل الرسالة وفيها خروج أصحاب المحال أمام محالهم يحملون لافتات: "رفض العدوان، تعزيز الصمود، وحدة الموقف، حاضنة شعبية متماسكة".

وغيرها من الوسائل التي تطور المشهد وتحبب الناس في المقاومة وتزيد من الفئات المستهدفة ولا ترهق العامة بل تشجعهم على المشاركة لما فيها من إسناد.

* فكرة النقل العام والمواصلات بدلًا من مهاجمة سيارات الناس على أنهم جواسيس، بالعمل على تطوير الاحتجاج من خلال: ساعة وقوف تام للمركبات، حمل صور للشهداء على كل مركبة، العلم الفلسطيني، إطلاق الأبواق علامة على الاحتجاج، إغلاق الشوارع الرئيسية بالمركبات لمدة معينة، وغيرها من الوسائل التي لا تقهر رزق الناس وتنفرهم من المقاومة بل تعزز حبهم لها وشعورهم بإسنادها.

* الإضراب العام الموحد العميق المركزي الشامل لكل الجوانب والجغرافيا في آن واحد (شتات، وداخل، وغزة، وضفة، والقدس) لمدة ساعة مثلًا وفيه توضع كل الأفكار.

* مسيرة مليونية ممتدة في ميادين المحافظات بدل الإضراب والجلوس في المنازل، فمشهد عشرات آلاف الجماهير في الشوارع تطالب بحقوق الشعب ودعم المقاومة تغني عن هكذا أشكال من الإضراب والروتين التقليدي المكرر.

مما لا شك فيه أن تطوير الوسائل بات واجبًا، وتوسعة الفئات المشاركة وترغيب الناس في هذا الشكل والمشاركة وحفظ اقتصادهم وتعليمهم ومواصلاتهم وتوحيد جهة معلنة عن الخطوات حتى لا يكمن الشيطان في تفاصيل الألوان، سيشكل لدينا جبهة داخلية متراصة تنفي أولئك المندسين الذين يشوهون المقاومة وصورة الشباب الغاضب الذين يرسلهم ضباط المخابرات ليعيثوا فسادا بحجة الغضب في المدن والقرى والمخيمات حتى ينفروا الناس من المشهد والالتفاف والتأييد.

للتغيير والتطوير فوائد كثيرة ورسائل عديدة لا تبدأ في تحصين الحاضنة الشعبية مرورا بترغيب الناس وصون المقاومة ولا تنتهي برسائل شعب ينشد حقه أمام العالم، ورعب جماعي يصل صداه لقلب الاحتلال.

وبذلك تكون الفصائل قد رسخت وأسست جسرا لمرحلة جديدة في الثورة التي حتمًا أركان عسكرها ترقب هذا الجسر وتنادي بالتفاف وإسناد ودعم قبل أن نشيع هذا الأمل بروتين قاتل فقط لأنه كان تقليدًا !