سَتشهد العاصمة الأوروبية (بروكسل) وغيرها من مناطق اللجوء والشتات فعاليات ومسيرات شعبيّة فلسطينيّة أممية في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر تشرين الأول تحت شعار "العودة والتحرير: فلسطين من النهر إلى البحر" لتأكيد إصرار الشّعب الفلسطينيّ على حقه في العودة ومواصلة مَسيرته الكفاحيّة من أجل التحرير. إن المهمة المركزية للشتات الفلسطيني هي انتزاع حَق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى الدّيار التي شُرّدوا منها، واسترداد حقوقهم وممتلكاتهم المنهوبة وممارسة الشعب الفلسطيني حَقه الطبيعي في تقرير مصيره فوق كامل تُرابه الوطنيّ.. من النهر إلى البحر.
وعبّر العدو الصهيوني عن قلقه من إعلان موعد "مسيرات العودة والتحرير" في تقرير تفصيلي نشرته صحيفة جيروزاليم بوست الصهيونيّة في 19 يونيو حزيران الماضي تُحذّر فيه من "خطورة المسيرات التي ستدعو إلى طرد (إسرائيل) من الأمم المتحدة" وكذلك حذّرت قوى صهيونية في أوروبا وأمريكا الشمالية من الحملة التي تُنظّمها حركة المسار الثوري البديل من أجل شَطب ما تسمى "قوائم الإرهاب"، فالعدو الصهيوني يَقلق أكثر إذا استعاد الشتات الفلسطيني دوره المركزي في عملية التغيير والتحرير وتحمّل مسؤولياته ومهماته الوطنيّة.
وتكتسب مسيرات العودة والتحرير في 29 أكتوبر تشرين الأول أهميّة مضاعفة في استعادة الأولويات الوطنية، فهذه المسيرات في الحقيقة هي امتداد طبيعي لانتفاضة العودة وكسر الحصار التي صنعها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر، على مدار 18 شهراً من التحدي، ودفع فيها أثماناً باهظة، كما ستحضُر قضية الأسرى والأسيرات في سجون الاستعمار الصهيوني، فالحركة الأسيرة المُناضلة ستظل النّواة الصّلبة للمقاومة الفلسطينيّة، وقائدة نضال الفلسطينيين في الوطن حتى لو جرى مصادرة دورها وموقعها بعد اتفاقيات أوسلو. كما ستحضر قضية المناضل اللبناني الأممي جورج إبراهيم عبد الله والمعتقلين العرب في سجون الولايات المتحدة الأمريكية وسجون الأنظمة العربيّة والأجنبية.
الإعلان من قلب البرلمان الأوروبي عن الحملة الفلسطينيّة والعربية والعالميّة لطرد (إسرائيل) من الأمم المتحدة والمؤسَّسات الدوليّة، ومقاطعة وعزل كيان الاستعمار الصهيوني والشركات والمُنظّمات الداعمة له في أوروبا والعالم، ودعوة حركات المقاطعة إلى تبني هذا الهدف وإعادة الاعتبار للقرار الدولي 3379 الصادر عن الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة الذي تم شطبه، ويُحدد نَصاً: "إن الصهيونيّة شَكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"، كل هذا يزعج الكيان الصهيوني وأذنابه في الشرق والغرب. وينقل حركة نضال الفلسطينيين من حيز رد الفعل على جرائم العدو إلى حيز المبادرة الشعبية المنظمة والمؤثرة.
وتتضاعف أهمية مسيرات العودة والتحرير في أنها تعبر عن صرخة فلسطينيّة عربية أممية ضد النظام العربي الرسمي ونهج سلطة الحكم الذاتي الفاسدة الوكيلة للاستعمار الصهيوني وسياسة القمع والإقصاء التي تمارسها أجهزة "أوسلو" التي تستهدف قوى المقاومة في الضفّة الفلسطينيّة المُحتلّة عبر ما يسمى "التنسيق الأمني". لقد آن الأوان للتأكيد أن قيادة منظمة التحرير فقدت شرعيتها ولم تعُد تُمثّل الشّعب الفلسطيني ولا تُعبّر عن مصالحه وتطلّعاتهِ وطموحاتهِ الوطنيّة. فالمطلوب اليوم هو تأسيس جبهة وطنية موحدة ذات إستراتيجية واضحة للعودة والتحرير.
إنّ إطلاق حملةٍ وطنيّةٍ ودوليةٍ لمواجهة وكسر الحصار المفروض على شعبنا في قطاع غزّة، من الميادين العامة ومن داخل البرلمان الأوروبي (المُتورّط في هذه الجريمة اليومية) ينقل هذه المهمة الوطنية إلى ساحات أوسع. فالمعسكر الذي يحاصر غزة لا يقتصر على كيان العدو وحسب، بل يمتد من واشنطن ولندن وبرلين مروراً بعواصم عربية وصولاً إلى رام الله. فمن يحاصر المقاومة والفلسطينيين في الشتات هو ذاته من يحاصر غزة أيضا.
يجب فضح السياسات القمعيّة والعنصرية التي تنتهجها بعض الدول في الاتحاد الأوروبي ضد حُقوقنا السياسيّة والمدنيّة والإنسانيّة في أوروبا، التي لن يكون آخرها قرار حكومة برلين منع مسيرة العودة في العاصمة الألمانية، ومحاولات استهداف "شبكة صامدون" و"رابطة فلسطين ستنتصر" والقوى الثورية الصديقة عبر تجريم أنصار المقاومة الفلسطينية. من هنا تأتي أهمية مواجهة ما تسمى "لوائح الإرهاب" التي تسعى لتشويه صورة معسكر المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن وعموم المنطقة.
في مسيرات العودة والتحرير سترتفع صور الشّهداء القادة الذين أقدمت (إسرائيل) على اغتيالهم في القارة الأوروبيّة، وإعادة فتح هذا الملف من جديد، فالجرائم لن تسقط بالتقادم، وسوف تتقدم المسيرات صور الشهداء الذين ارتقوا إلى الخلود الأبديّ على درب الكفاح من أجل تحرير فلسطين.
أهمية هذه المسيرات تكمن أيضاً في التأكيد مُجدّداً أن قضية فلسطين ليست قضية الشعب الفلسطيني والعرب وحدهم بل إنها قضيّة كل أحرار العالم. هذا يعني تعميق وتعزيز البعد الأممي للقضيّة الفلسطينيّة حتى تحضر فلسطين على برنامج وأجندة حركات التحرر وقوى التغيير الثورية والحركات النسويّة والطلابيّة والنقابيّة التي تدعم نضال الشعب الفلسطيني. هذه المهمات لا يمكن القيام بها دون المشاركة الشعبية للجاليات العربية والإسلامية على نحو خاص.
آن الأوان أن تتحمل القوى الاستعماريّة والرجعيّة المسؤوليّة التاريخيّة والسياسيّة والقانونيّة والأخلاقيّة عن جريمة تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين، ومسؤولية الحروب والجرائم الوحشيّة التي جرى ارتكابها بحق شعوب منطقتنا على مدار عُقود الصراع منذ صَك "وعد بلفور" المشؤوم في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1917، ومسؤوليّتها عن جرائم الكيان الصهيونيّ في فلسطين المحتلّة والمنطقة منذ عام .1948
إن أيدي بريطانيا وأمريكا وفرنسا وكندا وألمانيا وأستراليا وغيرها من دولٍ وإمبراطوريات ملطخة بدماء الفلسطينيين والعرب وشعوب المنطقة. فالاستعمار لم يغادر الوطن العربي ويمكن رؤية تجسيداته ومظاهره الواضحة ومنظومات وآليات الهيمنة الاقتصادية والإعلامية والعسكرية وغيرها في كل بقعة ودولة من المحيط إلى الخليج.