طالت جرائم الاغتيال مطاردين في مناطق متفرقة بالضفة الغربية المحتلة، ولم يخلُ ذلك من اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي هذه المناطق واستهداف المطاردين بداخلها، إلا أن ما شهدته البلدة القديمة في نابلس، فجر أمس، من اغتيال تامر الكيلاني أحد أفراد مجموعة "عرين الأسود" كان مغايرًا هذه المرة.
والشهيد "الكيلاني" (33 عامًا) علاوة عن كونه من "عرين الأسود"، فهو محرر من سجون الاحتلال الذي يتهمه بالمسؤولية عن سلسلة عمليات فدائية.
وفي التفاصيل، انفجرت عبوة تحتوي مواد شديدة الانفجار كانت مثبتة في دراجة نارية مر بجوارها "الكيلاني" وأدت إلى استشهاده على الفور.
ورأى مراقبون أن الردع الذي شكلته مجموعة "عرين الأسود" أجبر جيش الاحتلال على استخدام أدوات جديدة عبر عملاء له على الأرض.
وفي الأسابيع الأخيرة، لجأ الاحتلال إلى استخدام طائرات دون طيار، وألمح إلى إمكانية تنفيذ جرائم اغتيال بواسطتها في حال عدم تمكنه من الوصول إلى المطاردين في محافظات الضفة الغربية، وخاصة جنين ونابلس.
ورأى الباحث والكاتب السياسي مجدي حمايل أنّ معركة العقول بدأت فعليًّا بين المقاومة وجيش الاحتلال، مشيرًا إلى نشر الإعلام العبري فيديو قصير مؤخرًا لقناصة إسرائيليين منتشرين على جبال نابلس وهم يتحدثون عن متابعة ومراقبة كل من يخرج ويدخل من وإلى المدينة، أعقبه نشر "عرين الأسود" فيديو يؤكد أن جنود جيش الاحتلال تحت أعين مجموعاتها المقاومة.
وأضاف حمايل لصحيفة "فلسطين" أن معركة العقول بين المقاومة والاحتلال ستؤدي حتمًا إلى استخدام الأخير أساليب جديدة للقضاء على المقاومين بدلا من اقتحام المدن، ويشمل ذلك استخدام العملاء والجواسيس لرصد تحركات عناصر "عرين الأسود" والوصول إلى المطاردين.
وعد أن زمن اقتحامات الاحتلال بعض المدن متى أراد قد انتهى، وأصبح المقاومون يمتلكون قوة الردع، إذ لم يعد دخول نابلس أمرًا سهلًا، منبها إلى أن استخدام المحتل أساليب وأدوات جديدة لاغتيال المطاردين سيقابله تطور في العمل المقاوم أكثر وعيًا وتطورًا من ذي قبل.
ونبَّه إلى أن الاحتلال يفرض حصارًا مشددًا على نابلس ويفرض عقابا جماعيا على المواطنين بسبب التفافهم حول المقاومة، في محاولة منه لتشكيل رأي عام جديد وإيجاد تناقضات داخلية وخلافات في مجتمعنا ضد المقاومة.
وذكر أن الاحتلال من وراء انتهاكاته هذه يسعى إلى إيصال رسالة للمواطنين تزعم أن "المقاومة هي من تعطل أعمالكم ومصالحكم"، لكن أهالي نابلس وصلوا إلى حالة وعي أكثر مما يتوقعه، نتج عنها انقلاب ضد الاحتلال وضد حصاره وانتهاكاته وجرائمه، وليس تمردا على المقاومة.
وأضاف أنه بما أن الاحتلال بات غير قادر على دخول نابلس وتنفيذ اقتحامات واغتيالات وصولا إلى تحقيق هدفه بالقضاء على المقاومة، فإن زمام المبادرة أصبحت في يد الفلسطينيين الذين يملكون قوة الردع.
زعزعة المطاردين
من جهته، قال الخبير في الشؤون العسكرية اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي إن الاحتلال يفضل استخدام عملائه على الأرض لزرع العبوات واستهداف المقاومين على الدخول في اشتباك مباشر معهم.
وأضاف الشرقاوي لـ"فلسطين" أن الحدث الميداني وما نتج عنه من جريمة اغتيال يثبت أن عميلاً للاحتلال هو من زرع العبوة في الدراجة النارية التي مر بجوارها الكيلاني قبل استشهاده.
ونبَّه إلى أن الاحتلال يسعى إلى خلق الشكوك بين المطاردين وزعزعة الثقة بينهم بما يؤدي في النهاية إلى حالة اشتباك داخلية، لكن في المقابل فإن المطاردين لديهم حذر شديد، وتنمو لديهم الخبرة من تجربتهم الجريئة في مواجهة الاحتلال.
وتابع أن حالة الجرأة والتحدي في نابلس وجنين وغيرهما ستنشتر وستشهد تطورًا مستقبلاً في الضفة الغربية لو توفرت حاضنة داعمة لها في الوقت الذي تمارس فيه السلطة التعاون الأمني مع الاحتلال.
وعادة ما ينتج التعاون الأمني إما اعتقال مطاردين في سجون أمن السلطة أو سجون الاحتلال، وإما جرائم اغتيال، وهي سياسة مرفوضة شعبيا وفصائليا.
وبيَّن الشرقاوي أن لجوء الاحتلال إلى استخدام أدوات اغتيال جديدة بالضفة وتركيزه على العملاء سيقابل بردود عنيفة من المجموعات المقاومة، وهي بحاجة إلى حمايتها بعصيان مدني سلمي حتى لا تفشل.
وباستشهاد الكيلاني ارتفع أعداد الشهداء في فلسطين منذ بداية 2022 إلى 177 شهيدًا، بينهم 51 شهيدًا في قطاع غزة، بحسب وزارة الصحة برام الله.