فلسطين أون لاين

​في رواية حديثة لـ"قس بن ساعدة" .. "شرقاوي" يلتقي "الفاروق"

...
غزة - آلاء المقيد

"الرجلُ الذي كان يكيل العذاب لمن قال لا إله إلا الله دون أن يرفّ له جفن، هو نفسه الذي صار يخشى أن تتعثر دابة عند شاطئ الفرات خوفًا من أن يسأله الله: لِمَ لمْ تُصلح لها الطريق يا عمر؟!".

كان في السَّادسة والعشرين عندما أصابته دعوة النبيّ صلى الله عليه وسلم في قلبه: اللهم أعزّ الإسلام بأحبِّ الرجلين إليكَ؛ عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام !

هكذا بدأت الحكاية، دعوةٌ جذبته من ياقة كفره إلى نور الإسلام، وانتشلته من مستنقع الرذيلة إلى قمة الفضيلة، واستلّته من دار النّدوة إلى دار الأرقم "بهذا الاقتباس الكثيف بمعناه, الجزيل بألفاظه, وصَف الكاتب الفلسطيني أدهم شرقاوي رجُل لا يأتي إلا مرة واحدة في التاريخ عبر روايته التي صدرت حديثاً بعنوان "عندما التقيت عمر بن الخطاب", إلى جانب رواية أخرى بعنوان "مع النبي" وحصلت فلسطين على نسختين حصريتين منهما.

وسنكون _عزيزي القارئ_ في هذا العدد مع الكاتب في روايته "عندما التقيتُ عمر بن الخطاب", حيث يسبر فيها أغوار الشخصية العمرية كما فهمها قس بن ساعدة ورآها, إذ يقول في وصفه للفاروق: "اجتمعتُ به على الورق، حاورته، وناقشته، استحضرتُ معه محطات مهمة من حياته، ومواقف محورية تكشف أي معدن من الرجال كان, عمر المؤمن، الصحابي، الخليفة، الزوج، الأب، والإنسان الذي لا يتكرر في التاريخ، عمر أيقونة العدل والحزم".

والممتع في الرواية هذه أن الكاتب شرقاوي قدّم للقارئ شخصية عمر بن الخطاب كضيف في برنامج حواري, نسمع منه مباشرةً بعدما كنّا نسمع عنه ونقرأ! نتمعن على حدٍ سواء في أسئلة المُحاوِر الفذ وأجوبة الضيف الساحرة, نقترب من فهم عمر للإسلام وكيف ينظر للأمور؟ وكيف يقيسها ويقلبها؟ وكيف يجتهد؟ وكيف يعين الولاة وكيف يعزلهم؟ وكيف أن الله سبحانه جعل الحق على لسان عمر وقلبه.

نجح الكاتب في الرواية بتجسيد شخصية عمر الحازمة, من خلال أسلوبه في الإجابة على قس بن ساعدة, حيث كان يُعطينا لُبّ الاجابة دون تمهيد لها أو استطالة, إلا إذا كانت الأسئلة تتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله, كان الخطّاب لا يفوّت فرصة في مِدحهم بخِصالهم التي عرفها التاريخ عنهم قبل أن يغوص بنا في عمق الإجابة.

وأنت تقرأ _عزيزي القارئ_ سيرة عُمر في الرواية ستعرف عمر أكثر, ستلمس حقيقة أن يكون المرء شغوفاً بفكرٍ ما كما كان عمر مولعاً بالإسلام, بلغ من الورع والصدق والعدل ما قد يُصيبك بالذهول وأنت تقرأ سيرته, سيُفند خلال حوار شرقاوي معه كثير من الافتراءات التي قِيلت عنه بالبرهان والدليل, ستقرّ أخيراً بما بوصف قس بن ساعدة له: "القسوة هي التي ضد الرّقة وليس الحزم, وعمر كان حازمًا ولم يكن قاسيًا ولكن لأن الحزم يرتدي زيّ القسوة أحيانا يخلط الناس بينهما".

أدهم شرقاوي والملقب بقس بن ساعدة, واحد ممن يمتلكون قدرة العزف على الوتر الحساس من خلال لغة قوية آخذة في شرح ما يُريد إيصاله للقارئ, يتعرف خلال حديثه لفلسطين عن الرواية: "عندما التقيت عمر _ولو على الورق_ خرجتُ من الرواية شخصاً غير الذي دخلته فيها، وأي كاتب آخر لو خاض تجربة كتابية مع عمر بن الخطاب فلن يخرج منها الشخص الذي كان عليه أولاً، عمر شخصية ساحرة تأخذ بالألباب وتسلب القلوب"، إذاً لم يكن غريباً أن يشعر الكاتب بالفقد حينما انتهى من الكتابة التي كان أحياناً يلجأ لها ليس رغبة بها ولكن شوقاً لعُمر: "ليس سهلاً أن يقرأ إنسان سبعة آلاف صفحة عن عمر، ثم بعد ذلك يصنع من السيرة أدبا وحواراً ومناقشة واستخلاصاً، ثم بين يوم وليلة يطوي الصفحة".

لماذا شخصية عمر بن الخطاب؟ يرّد على سؤالي بالقول: "لأنه أيقونة العدل والعزة، وهما ما ينقصنا اليوم! هذه البلاد المتخمة بالظلم، وهذه الأمة التي لم تعد تقود الأمم بل تُقاد منها، هي أحوج ما تكون اليوم أن تُراجع نفسها، وأي درس في المراجعة أبلغ من درس الشخصية العمرية الفذة ؟ "

"ومضى الفاروق كما أتى ... فارع الطول كأن بينه وبين النخيل قرابة، صلبٌ كأنه قُدّ من خاصرة جبل، في يده اليسرى عصا تشعر وهو يغرسها في التراب أنه لا يحتاجها للاتكاء

وإنما ليُثبّت الأرض في مدارها".