كان ذلك أمس، الأحد، في تمام الساعة الواحدة والنصف فجراً، حين ترجل فارس مغوار وأسد هصور من "أسود عرين الأسود"، وأحد أشرس مقاتلي الوحدات، الشهيد البطل تامر الكيلاني.
مسيرة معمدة بالدم الزكي، و"عرين الأسود" وفرسانها الأطهار يَعِدون ويُقسِمون برد قاسٍ، وسيكون موجعاً ومؤلماً.
نابلس المحاصرة منذ أسبوعين تشارك عن بكرة أبيها في عُرس ارتقاء بطل من أبطالها، وضفة العياش وكل فلسطين تعلن الحداد التام، وتقول للاحتلال أن الشعب الفلسطيني يقف صفاً واحداً خلف مقاومته المقتدرة وسيتابع مسيرته المظفرة وسيكون انتقامه ناراً تحرق المحتل ومتخابريه.
هجمات العدو وعملائه لا تتوقف، وضفة العياش تشتعل وعمليات وحدات المقاومة تزلزل الأرض تحت أقدام الاحتلال والاشتباكات تغطي كل المدن والقرى والمخيمات الثائرة وبكل ما هو متاح فتارة بالحجارة وبالسكاكين وأخرى بعمليات الدهس والعبوات المتفجرة وإطلاق النار، وقد أقر العدو بوقوع 26 عملية خلال الـ 24 ساعة الماضية نجم عنها جرح العديد من قطعان جيش الاحتلال وسوائب مستوطنيه.
وما زال العدو يتخبط ويشكل لجان التحقيق للتدقيق في أسباب الإخفاقات التي تَتَتالى في الوقت الذي بدأ الاحتلال يُصَعّد من سياسة العقاب الجماعي بحصار مدينة نابلس والبلدات المحيطة بها ومخيم الدهيشة وبعض أحياء مدينة القدس إلى جانب إغلاقه لعديد الطرق بالسواتر الترابية والإسمنتية لجعل حياة المواطنين الفلسطينيين مستحيلة، في محاولة لفض الحاضنة الشعبية عن المقاومة التي بدأت تتجدد وتنتفض وتأخذ دورها الريادي المُبادر وتنتشر أيضاً في القدس وفي كل الضفة الفلسطينية المحتلة، وهو ما يؤرق قيادة الاحتلال، بل وبدأ يضع لها ألف حساب ويعدها الخطر الإستراتيجي الذي يواجه الكيان خلال العقد الأخير.
كما أن جيش الاحتلال لم يستفق بعد من صدمة العملية المزدوجة للشهيد البطل عدي التميمي على حاجز مخيم شعفاط ومدخل مستوطنة معاليه أدوميم في القدس.
ووفقاً لتحقيقات أولية، فإن لجنة المتابعة المختصة كشفت أنه بالرغم من استدعاء المزيد من كتائب المشاة إلى جانب الوحدات الخاصة وقوات النخبة فإن الجيش ارتكب أخطاء مميتة، من بينها عدم اتخاذ قرار بإغلاق حاجز شعفاط في أثناء تغيير الدوريات، ولم تحدد المسؤوليات في حينه لجهة بعينها للسيطرة على الوضع، كما فشل الجنود في الرد فوراً على مُطلق النار، ولم يَجرِ أي اتصال أو تنسيق بين المواقع لمحاصرة مصدر إطلاق النار، كما لم تَجْرِ أي ملاحقة ومحاصرة لمطلق النار، حتى أن الجنود اعتراهم رعب وشلل خلال اللحظات الحاسمة ولم يتبينوا أصلاً من عدد الذين شاركوا في الهجوم هل هو مقاتل واحد أو أكثر.
وحتى أن الرد جاء متأخراً جداً، وكان المهاجم قد غادر المنطقة برمتها واختفى عن الأنظار.
وكان وزير الجيش قد وجه توبيخاً حاداً لكل المسؤولين عن هذه الخيبة الفاضحة التي باتت تَسِمُ سلوك معظم وحدات جيش العدو وعلى نحو خاص الوحدات المقاتلة وهي المسؤولة عن الدفاع عما يسمونه الأمن القومي للكيان الاستيطاني في فلسطين المحتلة.
وكم كان مزلزلاً للعدو حين تمكن الشهيد المقدام عدي التميمي من التخفي والعودة للمخيم ثم الانسحاب منه رغم حصار مُطْبق استمر طويلاً، وبعد ذلك التسلل إلى مستوطنة معاليه أدوميم ومهاجمة جنود العدو المدججين بالسلاح مرة أخرى من نقطة الصفر وبذات المسدس ليقتل ويصيب بجراح خطرة في الموقعتين، وكان يقاتل جيشاً، واقفاً وجاثياً بل ويتقافز كليث رغم الجراح حتى آخر طلقة وقد سَطَّرَ كغيره من شهداء شعبنا العظام أسطورة أن الفلسطيني لا يموت إلا شهيداً، وهو الذي حَفَرَ عميقاً في التراب الطهور أن الآلاف سيحملون الراية حتى الحرية التامة والاستقلال الناجز لفلسطين كل فلسطين، وهذا ما أكده بعد سويعات الفتى الشهيد محمد رجب أبو قطيش الذي قال: لقد "نفذت العملية انتقاماً لعدي التميمي"، كذلك كان رابي عرفة رابي، وشهيد "العرين" تامر الكيلاني الذي كان مسؤولاً عن تنفيذ سلسلة عمليات ضد الأهداف الصهيونية.
وما زال وقع عمليات أبطال المقاومة يفرض صداه في كل طرق وأزقة الوطن، وما زال عدي ماثلاً للعيان يجد مكانه الذي يستحق عميقاً في القلوب وقد اعترف قائد الشرطة في الضفة المحتلة يعقوب شبتاي بحجم المفاجأة والنصر الذي حققه عدي التميمي وقال: "إن عدي خاض مع جنودنا معركة حقيقية وقد تميز فيها".
وهكذا تودي غطرسة العدو وحماقته به وتُسقطهُ دوماً إلى الهاوية، ولم يتعلم منها درساً واحداً غير الضربات التي تثخن جراح العدو وقد تحولت ضفة القسام إلى قلعة عَصِيّة على الكَسْر موحدة بمقاتليها من كل الأطياف الحية المسلحة والفاعلة في الميدان وشعب يَضع الساعد على الساعد وعلى قلب رجل واحد يحمي مقاومته الباسلة الصامدة ويمدها بكل أسباب المِنعة والاستمرار والتصاعد في مواجهة عدو تتآكل قدراته الردعية ويدب الرعب في أوصاله وقد أضحى يضرب أخماساً بأسداس ويقلب كل حجر بحثاً عن صلابة هذا الشعب العظيم.
ويستمر الحصار الظالم لمدينة نابلس الذي ترد عليه بانتفاضة ستبتر يد العدو وستكون قاصمةً لكبريائه المُدَّعى وَسَيُثْبِتُ شعب الضفة أنها لن تكون العليا بأي حال وسيرد على جرائمه بالسلاح وبكل أشكال النضال وفي كل الميادين في مواجهة جيشه ومستوطنيه كما يجري في هذه الآونة في حوارة وترقوميا، وطوباس، وسلوان والعيساوية والمغير وجبل المكبر وعناتا، ويعبد وقلقيلية وبيت أمر وبكل الامتداد الثوري والمتصاعد على كل تراب الضفة والقدس.
حقائق دامغة ترسخها كل يوم رشقات الرصاص لرجال يضعون أرواحهم على الأكف وقد أنذروا العدو أنهم سيحيلون القدس المباركة وضفة أبو الهنود جحيماً يحرق دَنَسَهُم، وتشهد وتُخلِد أسفار التاريخ بطولات فرسان الوطن المحتل ورموز الشعب المرابط وأيقوناته، الشهداء أحمد جرار، وعاصم البرغوثي، ومهند الحلبي، وعدي التميمي مع الاستشهاديين البررة الذين يروون بدمهم الزكي شجرة الحرية، ووعد وعهد بالمضي قُدُماً على طريق المجد وفق خطط دَرَست الأرض وتعلمت كيف ترد الموت إلى نَحرِ صانعيه.