صدمة كبيرة في منظومة الاحتلال الأمنية، والسبب تنفيذ سلسلة أيام الغضب التي نفذتها مجموعات عرين الأسود حين أظهر ثوار البلدة القديمة بنابلس غضبهم كالبركان، زلزلت كيان المحتل، وزعزعت أمنه دفاعاً عن المُقدسات واستباحة الحُرمات، فانطلقت خلال فترة وجيزة بشجاعة عسكرية، وبدأت في تشكيل خلايا صغيرة وسرية جمعت كل الفصائل الفلسطينية تحت اسم واحد وهدف مشترك يجمعه الوطن، شعارها بندقيتان تحميان المسجد الأقصى وتردعان المستوطنين، ورسالتها المقدسات خط أحمر، حيث استطاعت المجموعات تطوير نفسها بمقاتلين أشداء الجهاد عزهم والشهادة أمنيتهم، يتقدمون الصفوف نحو المنون مقبلين غير مدبرين، وتقدم كوادرها بأداء عسكري ونوعي منذ انطلاقتها بعمليات تكتيكية متواصلة تعد الأبرز والأخطر "إطلاق النار من مسافة صفر" التي أوقعت خسائر كبيرة وعطلت منظومة استخبارية أفقدته السيطرة الكاملة ومنعت اعتداءات المستوطنين، وأعاقت حركة جيش لا يقهر في مناطق وجودها ووحدت جغرافية الوطن الواحد، مع حذر شديد ويقظة أمنية أربكت العدو، رغم القبضة الأمنية والتنسيق المدنس في مسلسل الملاحقة والمطاردة بين فكي السلطة والاحتلال، فاستطاع العرين كشف مخططات الاحتلال لتصفية أبطاله عبر خطة خداع مركبة لكنهم أسود في الميدان وعقول محنكة تنبهت للأمر مبكراً وأفشلته في الوصول إليهم وكانوا له بالمرصاد، عملية تلو العملية وشهيد يتلوه شهيد، لتستمر قيادة المعركة والمسيرة الجهادية بدهاء الشجعان، بمقاومة لا تتوقف في الليل والنهار ولا تضِل بندقيتهم طريقها لترسم معالم التحرير نحو القدس على درب الشهداء الأبرار.
فالناظر والمتابع للأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية يستذكر حديث رسول الله ﷺ: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قالﷺ: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"، وهذا الحديث شاهد على ما يجري في الأراضي المحتلة بأننا نخوض معركة الوعي، التي تعد من مراحل مشروع التحرير الوطني بهدف دحر المحتل، فحالة الاشتباك والمواجهة السائدة بين الشباب الثائرة وجيش الاحتلال في جنين ونابلس والقدس والخليل وبيت لحم وقلقيلية وسبسطية وطولكرم ليست مواجهات اعتيادية أو أحداثا عابرة، وإنما هي عمليات بطولية ينفذها رجال الوطن الواحد سلاحهم العقيدة وهدفهم الجهاد ورايتهم جند محمد ﷺ وأسمى أمانيهم قبولهم في أعداد الشهداء.
هذا الأمر جعل قيادة كيان الاحتلال تفقد السيطرة، ما دفع السلطة لتأدية واجبها ومهامها في ملاحقة المجاهدين بصفتها وكيلا أمنيا للاحتلال لوأد المقاومة في إثر توسيع بقعتها وتعدد ساحاتها واستمرار المواجهات ومواصلة الأحداث القومية وانتشارها الجغرافي في القدس المحتلة والضفة الغربية، أما غزة فتراقب بحذر وتتابع من كثب، لأنها الدرع الحامية لأرض فلسطين، وهنا برقية درع وسند من الغرفة المشتركة والركن الشديد بغزة وصلت إلى عهد البندقية وعرين الأسود في ضفة الأحرار وقدس الأبطال، فالمساس بهم إيذان بزلزال الأرض وجعله يذوق فصلاً كارثياً وحماقة غالية ليس لها مثيل، في إشارة لوعد الآخرة والتمسك بوصية الشهداء، فوحدة الوطن فيه الرصاص والصيحات أعدها عباد لنا بقوة الرجال يقدمونها للعدو هدية، فليصبر الأسد في عرينه وليكمُن القسام على حدوده هناك صوت الحق يُزمجر وصوت الرشاش يُقهر.
القضية الفلسطينية اليوم أعلنت انتشال نفسها بنفسها من خلال ثورة شعبية مسلحة تتزين بسلاح الثبات والعقيدة وتتحلى بسواعد شبابها ومخيماتها لدحر الاحتلال وإسقاط سلطة التدنيس والتنسيق مع الاحتلال، فمنذ أن احتلت فلسطين ووقعت تحت السيطرة الإسرائيلية عام 1948م والقضية في محل مخاض كلما تحاول أن تثور يطمس الاحتلال ثورتها ويخمد هويتها وهنا لا بد من إثبات أمر جديد وهو أن قدر الله نافذ ووعده حق وهذه الأرض المقدسة لن تطول تحت الاحتلال والمقاومة لم تهدأ ما دام هناك محتل مغتصب وطنها، فالشعب يغلي كالبركان ليحافظ على المقدسات والثوابت وثورة الأجيال لا تعرف الاستسلام والخذلان، بل هويتها البسالة والبطولة والفداء نتيجتها النصر أو الشهادة، هذه القضية المركزية زرعت في وجدان الفلسطينيين ووُرثت من جيل لآخر وهذا ما تعاهدت عليه أجيال انتفاضة الحجارة ثم انتفاضة الأقصى وصولاً لدحر الاحتلال من قطاع غزة وتطهيره من سلطة دايتون حتى صار معقلاً للمقاومة الفلسطينية وهذا ما يسعى إليه الثوار في الضفة الغربية من إعلان تشكيل كتائب وخلايا بمسميات العرين والوكر في نابلس وجنين وطولكرم وتكثيف العمليات الفدائية والبطولية وضرب العدو في عقر داره وفقده السيطرة للانسحاب من المخيمات وفرض معادلات جديدة تحت ضربات المجاهدين لنزع الحق بقوة البندقية تلك اللغة التي لا بد للعدو أن يفهم بها الحوار.
الخلاصة: ثورة الضفة مقاومة بركانية تتدحرج، وشرارة التحرير التي لن تنطفئ إلا بصلاتنا في ساحات المسجد الأقصى.