فلسطين أون لاين

تقرير منتهى أمارة.. مبعدة عن الأقصى تقاوم بِصلاتها

...
المرابطة منتهى أمارة مع شيخ الأقصى رائد صلاح - أرشيف
أم الفحم – غزة/ يحيى اليعقوبي:

"سنشحطك شحط، إذا لم تنهِ الآن صلاتك؛ خلال خمس دقائق وتخرجي" بهذه العبارة هددت شرطة الاحتلال المرابطة المبعدة عن المسجد الأقصى منتهى أمارة من مدينة أم الفحم بالداخل المحتل، فور وصولها إلى أحد أبواب المسجد الأقصى.   

ما إن انتهت من صلاتها، وصلت شقيقتها ونحو 30 سيدة من أم الفحم نصرة للمسجد الأقصى، فطلبت منها أن تدخل في صلاتها في تحدٍ ثانٍ للاحتلال وإجراءاته العنصرية بحق المصلين.

لم تكمل شقيقتها التسليم من الركعة الأخيرة حتى أحاط جنود الاحتلال بهن من كل جانب، وطلب منهن الجنود الخروج من المكان، وعللوا "هذا اليوم ليس لكم، وهذا الوقت ليس من حقكم".

انتهى الحدث، ولكن حتى اللحظة لم تتجرع المرابطة منتهى أمارة مرارة ما قاله الجنود تقول لصحيفة "فلسطين" والغصة تحرق صوتها الغاضب على واقع يحاول فيه الاحتلال تكرار نسخة المسجد الإبراهيمي: "هذه الأيام يريد المستوطنون أن يفعلوا بالأقصى ما يفعلونه بالمسجد الإبراهيمي، لكن هيهات، هيهات، ما دام في الأمة من يعبد الله، سنكون من القلة الغالبة، لأن النصر لا يأتي بكثرة عتاد وإنما ارتباط مع الله والعمل من أجله، ونحن رغم الإبعاد لم نخذل المسجد الأقصى".

تصف حال الأقصى بأنه حزين جدًّا، وتعتبر ذلك "وصمة عار على جبين الأمة الإسلامية أن يكون مسرى النبي محمد تحت الاحتلال بهذا الشكل"، وأنّ ردة الفعل "لم تكن بالمستوى المطلوب ولم تكن بمستوى الحدث وخطورة المرحلة".

عن تفاصيل الاعتداء عليها، توضح: "كنا نحو 30 سيدة جئنا من أم الفحم بالداخل المحتل، وبعضهنَّ ليس لديهنَّ أمر إبعاد، لكن جرى منعهنَّ من دخول باحات المسجد الأقصى"، وتتساءل: "بأيّ حق، يتم منعهنَّ وليس معهنَّ أمر إبعاد!!".

هتاف وتكبير

لم تستجب المرابطات لطلب الجنود، وبدأن بالهتاف والتكبير عند باب السلسلة، وحصلت مشادات كلامية مع مستوطن بدأ يشتم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لكنّ حناجر المرابطات لم تهدأ، وواصلن الهتاف "الأقصى إلنا إلنا .. ما إلكم هيكل عنّا" يجددون العهد مع المسجد "بالروح بالدم، نفديك يا أقصى" وكذلك مع نبيهم "لن تركع أمة قائدها محمد".

رغم كل ما يفعله الاحتلال، لا تيأس أمارة، حتى إنها تخوض معركة كرٍّ وفرٍّ مع الجنود الذين يستطيعون تمييز نقابها والمناداة عليها من بين عشرات المرابطات اللواتي يرتدين النقاب، تعرض جزءًا مما تواجهه قائلة: "يتم طردنا، لكننا لا نيأس، نرجع للبلدة من باب آخر، فيتم طردنا، فنذب لباب السلسلة الذي يخرج منه المستوطنون، وهناك تحصل مشادات كلامية مع المستوطنين، ونرد عليهم بالتكبير".

"عندما نذهب ونقطع مسافات طويلة، نصلي عند أبواب المسجد وهذا واجب علينا، لأننا ننتمي لديننا وعقيدتنا، وأحيانًا نذهب فجرًا، لكنَّ الاحتلال يقوم بطردنا من الأبواب والبلدة القديمة" تقول أمارة.

يبكي صوت المرابطة المبعدة لمدة ستة أشهر عن الأقصى حال المسجد قائلة: "أريد أن أسجل اعترافًا، أنّ هناك تقاعسًا من قِبل الكثيرين سواءً من أهل القدس أو البلدة القديمة أو الداخل، وكل من يستطيع الوصول للأقصى ويتخلَّف عن دوره، وهذا ما ساعد الاحتلال بزيادة الانتهاكات في الآونة الأخيرة، وكثرة الإبعاد"، مؤكدةً أنّ كل هذه الانتهاكات ورغم تأثيرها في منع المرابطين والمصلين من الوصول للأقصى، إلا "أنها ليست مبررًا لجعل الاحتلال يفعل ما يحلو له".

كثيرًا ما تنتشر صور للمرابطة أمارة، وهي تفرد سجادة صلاتها بالقرب من أبواب الأقصى وتصلي، حتى إنّ أحد الجنود –كما أظهر مقطع فيديو عام 2019– حاول سحلها قبل إنهاء الركعة الأخيرة، لكنها بقيت ثابتة، تجاهلت وجوده، حتى انتهت من الصلاة وجرى اقتيادها إلى مركز التحقيق، لكن صدحت حنجرتها تؤكد تمسكها بالأقصى "لن ننحني.. لن ننكسر.. الأقصى لنا"، ثم توجهت نحو الشرطيتين اللتين تقتادانها بسخريةٍ قالت لهما "يلا زي العروس زفوني".

رغم أنّ المرابطة أمارة تعيش في أم الفحم، إلا أنها تحرص على الرباط يومًا في الأسبوع في الأيام العادية، وثلاثة أيام في أسابيع ما يسمى "بالأعياد اليهودية" أو الاقتحامات، حيث تقول: "لا أسمح لنفسي أن يمرَّ أسبوع دون الذهاب للرباط، خاصة أيام حشد المستوطنين لكي أُسمع كلمتي".

منذ سنوات طويلة تعكف أمارة على الرباط بالأقصى، وهي ابنة شقيقة الشيخ رائد صلاح، الملقب بـ "شيخ الأقصى"، اعتقلت نحو 15 مرة، وأُبعدت لستة أشهر ثلاث مرات ولا يتوقف الاحتلال عن ملاحقتها ومداهمة بيتها بين الفينة والأخرى، يعرفها الجنود حتى لو سارت بين عشرات المنقبات مثلها.

حقق معها الاحتلال عن قرابتها بالشيخ صلاح، لكن لم تتخيل يومًا أن تصل سخافة الاحتلال لحد اعتقالها لأجل توزيع طبق حلوى على المصلين والمرابطين.

وعلَّقت أمارة بسخرية وهي تستعيد تفاصيل التحقيق معها آنذاك: "كان الضابط يسألني، هل الشيخ رائد صلاح، هو من أعطاك ثمن الحلوى؟ وكم قطعة حلوى قمت بتوزيعها؟ وأسئلة سخيفة، لكني أجيب أنّ الشيخ خالي، وحبيبي وتاج رأسي، أما أنا فلي شخصيتي وانتمائي لله وليس لأشخاص أو حركة، وأؤدي واجبي الديني".

نتيجة دورها في تجميع المرابطين والمصلين من الداخل المحتل وخاصة مدينة "أم الفحم" قام الاحتلال بتهديد شركات السياحة بعدم التعامل معها، لكنه لن يمنعها من مواصلة درب لم تضل طريقه، حيث تؤكد "لن يمنعني من الوصول إلى المسجد، بحافلة أو سيارة"، وتختم بسؤال تتمنى أن يصل لقلوب أبناء الأمة "أمام العدد الهائل في أمة المسلمين، ليسأل كل واحد فيهم هل هو من الذين نصروا الأقصى أم خذلوه!؟".