فلسطين أون لاين

خيارات العدو في مواجهة عرين الأسود

في ظل تطور الأحداث في الضفة الغربية وتحول المناطق إلى ساحات اشتباك ومواجهة مباشرة مع العدو الإسرائيلي، وتشكل عشرات الخلايا المسلحة، التي باتت تضم المئات من المسلحين الذين يُظهرون مستويات متقدمة من التحدي، بل والاستعداد للتضحية، وانتقال ذلك من ثقافة التصدي والمواجهة إلى (ثقافة المبادرة) والتحرك لاستهداف الأهداف الإسرائيلية مباشرة في عدد من المناطق لتوقع "خسائر محققة" في صفوف الجنود والمستوطنين، فإن خيارات الاحتلال أصبحت صعبة بل وخطيرة بسبب تداعيات أي خطوة على الوضع الداخلي الفلسطيني، والآثار والانعكاسات على المشهد الإسرائيلي، والخشية من أن يتحول التهديد في بعض المناطق إلى تهديد عام في الضفة تمتد نيرانه إلى قطاع غزة وكل الأراضي الفلسطينية.

لذلك فإن تحول العمل المسلح الفردي إلى عمل أكثر تنظيمًا عبر تشكل ما عرف بمجموعات (عرين الأسود) التي أصبحت عنوانًا ينطوي تحت لوائه مختلف المسلحين من كل الأطياف بعيدًا عن أي اعتبارات حزبية أو فصائلية، وتحول هذه المجموعات لتصبح "أيقونة للانتفاضة والثورة" ومصدر إلهام للشباب في الضفة الغربية شكل أحد أهم وأبرز التحديات في وجه الاحتلال، الذي حاول ويحاول "تطويق هذه الحالة" واستئصالها خشية من توسع نشاطها في مختلف المناطق، وخشية من أن تصبح كابوسًا حقيقيًّا يصعب التعامل معه في المستقبل القريب، خصوصًا في ظل المطالبات الداخلية الإسرائيلية بضرورة التحرك للقضاء على هذه المجموعات بعد تعرض الجنود والمستوطنين لمخاطر مختلفة وسقوط عدد من القتلى في صفوفهم.

 

لكن العدو الإسرائيلي يجد نفسه أمام خيارات صعبة ومحدودة وليست هناك مساحات كافية ومريحة للعمل، لأن أي خطوة سيكون لها ردات فعل قوية، وآثار مباشرة في كل النواحي، قد تجعله في وضع حرج، وهذه المعادلة هي وضع جديد يمر به في الضفة الغربية بعد أن كان يصول ويجول في كل المناطق دون أن يشعر بأي تهديد، لهذا فإن أبرز الخيارات الآن أمامه تتمثل في:

أولًا- التحرك لتنفيذ عملية عسكرية عدوانية واسعة وكبيرة في الضفة الغربية في محاولة للقضاء على هذه المجموعات المسلحة، لكن هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر؛ خشية من أن يتسبب ذلك في تدهور الأوضاع واشتعال انتفاضة عارمة في الضفة، وربما يجلب ذلك تدخلًا وإسنادًا مباشرًا من المقاومة في غزة، ومن ثم: الدخول في جولة قاسية من القتال.

ثانيًا- الهرب للأمام واستهداف أحد الكوادر أو القيادات في غزة، أو مهاجمة إحدى الخلايا أو المجموعات ممن يعتقد الاحتلال بأن لهم علاقة بما يجري في الضفة وفق زعمه في تصريحات عدة، لكونه يشير إلى أن مصادر التمويل والتوجيه تأتي من غزة ويتهم حركة حماس بالوقوف خلفها، في محاولة منه لخلق معادلة جديدة من الردع، وهذا الخيار أيضًا قد يكون بالغ الخطورة، لأنه سيرتب ردًّا حتميًّا وقاسيًا من المقاومة قد يؤدي أيضًا لجولة ممتدة من القتال.

تأتي هذه الخيارات بعد (فشله الذريع) في مسار الاستنزاف ومراهنته على إمكانية إجراء عمليات "موضعية وجراحية" بشكل مستمر لإنهاك المسلحين والقضاء على الكوادر الفاعلة والحد من القدرة والتأثير، إذ إنه وعلى الرغم من مواصلته ممارسة "سياسة الاستنزاف" فإن النتائج حتى الآن متواضعة ولم تؤدِّ لوقف تنامي العمليات وتوسع نشاط المسلحين من أبطال المقاومة، ويكفي للدلالة على ذلك أن: مجموعات عرين الأسود ازدادت قوة وثقلًا وحضورًا من ناحية عدد العناصر والتسليح والانتشار والقدرة على تنفيذ العمليات في ظل استمرار الاستهدافات من العدو.

وعليه فإن مراهنة العدو على "كبح جماح" هؤلاء الشباب المنتفضين وآماله في إمكانية القضاء على مجموعات عرين الأسود في وقت قريب قد تكون صعبة جدًّا، لأن هذه المجموعات أصبحت تمثل الروح النابضة المتقدة في الضفة الغربية بل وعموم الأرض الفلسطينية، فضلًا عن أنها تتمتع بمصادر قوة مختلفة سواء من ناحية الاحتضان الشعبي أو من ناحية الدعم المالي والعسكري وغير ذلك، وفي السياق فإن شعبنا الفلسطيني وقواه الحية أرسلوا رسائل مهمة ومباشرة للاحتلال بأن مجموعات عرين الأسود ليسوا وحدهم في الميدان ولن يكونوا وحدهم وهذا له معنى عميق ومهم يدركه العدو الإسرائيلي ويفهم دلالته وأبعاده جيدًا.