قائمة الموقع

"عدي التميمي".. ردَّ الصاع صاعين وترجَّل عن صهوة الشجاعة مرتين

2022-10-20T20:28:00+03:00
عدي التميمي

عدي التميمي شاب لم يتجاوز عمره (22 عامًا) نقشَ اسمه في قلوب أبناء شعبه، أدرك أن رد الصاع للاحتلال يكون "صاعين" إن كان ذلك "ودًا، أو حُبًا، أو حربًا" كما كتب على صفحته على "فيسبوك" العام الفائت، فاختار خيار الحرب وهو أنسب الخيارات مع المحتل، وركب صهوة الشجاعة مرتين ونفذ عمليتي حاجزي "شعفاط" و"معاليه أدوميم"، مدركًا حجم الثمن، لكنه قرر خوض المعركة دون الخشية من العواقب.

على قصاصة ورقية، خط عدي وصيته الأخيرة، وقال: "عمليتي في حاجز شعفاط، كانت نقطة في بحر النضال الهادر"، ورسم شكلًا لنهاية معركةٍ بدأها وكتب فصلها الأخير هو وليس الاحتلال: "أعلم أني سأستشهد، عاجلًا أم آجلًا".

بتلك الحروف والكلمات التي لم يهتم لشكل أناقتها على الورقة بقدر عمقها في التأثير ختم وصيته: "أعلم أني لم أحرر فلسطين بالعملية، ولكني نفذتها وأنا واضع هدف أساسي، أن تحرك مئات من الشباب ليحملوا البندقية بعدي"، وذيل اسمه "المطارد عدي" وتاريخ كتابة الوصية في 11 أكتوبر/ تشرين أول.

ثائرٌ يهزمُ جيشًا

مع حلول مساء 8 أكتوبر الجاري، تجمع الجنود والمجندات في حلقة دائرية بحاجز مخيم شعفاط يقيمون حفلاً على صرخات طفلة طرحوها أرضًا قبل ساعةٍ.

بينما هم منشغلون، توقفت سيارةٌ بيضاء، ترجَّل منها عدي وتقدم بخطواتٍ هادئة واثقة وباغتهم برصاصات انهالت على رؤوسهم، في لحظةٍ تحول الحفل إلى مقصلة رصاصات الشاب الثائر، هزت صورة جيش الاحتلال بأكمله، واخترقت قلب الدولة العبرية.

في معركة غير متكافئة، ثبّت الشاب بمفرده الجنود المدججين في كامل الحاجز وهو يصوب مسدسه نحوهم، لم يجرؤ أي منهم على المواجهة، بقدر بحثهم عن النجاة والهرب، فيما كسر عدي قانون المساحة متجاوزًا المسافةَ صفر فالتحم معهم لأقرب نقطة.

بعد العملية سخّر الاحتلال كل طاقاته ووسائل التكنولوجيا للوصول لعدي، الذي لم يتحصن في أحد بيوت مخيم شعفاط بالقدس وجميعها فتحت له لتحميه كما اعتقد الاحتلال وقام بحصار المخيم أحد عشر يومًا لم يصل إليه.

اقرأ أيضا: نعي مؤثر للشهيد عدي التميمي من المعلق الجزائري حفيظ دراجي.. ماذا قال؟

ظهر الشاب وبنفس الطريقة الأولى التي نفذ بها عملية حاجز شعفاط ونفذ عملية جديدة، لكن في حاجز مستوطنة "معاليه أدوميم" وأصاب حارسًا إسرائيليًا مساء 19 أكتوبر، ليفشل الاحتلال للمرة الثانية.

تجلس والدته أمام صورتين لشهيدها عدي علقت على الجدران، ظهرت صابرةً، محتسبةً أجرها لله، تهب ابنها للمولى عز وجل ولفلسطين، وتدعوه "أن يحمي شباب المخيم صغيرًا وكبيرًا، ويفرج كرب الأمة، والأسرى في سجون الاحتلال".

الابن الشجاع

"الحمد لله، الله يرضى عليه، ربنا يرحمه، ابني بطل وقبضاي" كلمات ممتلئة بالإيمان فارقت قلب والد عدي، في مستهل حديثه مع صحيفة "فلسطين"، يصلك أصواتُ المعزين والمهنئين في "عرس الشهادة" كأدق تعبير، وأصوات أناشيد حماسية، ثورية في بيت العزاء.

يفتخر بنجله "عدي كل الناس تحبه، محبوب من الكل هنا، كان يحب الأقصى كثيرًا، ومن منا في القدس وفي الشعب الفلسطيني لا يحب المسجد المبارك؟!".

انشغل عدي كثيرًا عن المشاركة في هبات المسجد الأقصى، نتيجة عمله (سباكة)، لكن حبال حبه للأقصى لم تنقطع، وكان يزوره دائمًا ويصلي فيه، ولم يكن يدرك والده أن ابنه يخطط لما هو أبعد وأكبر من المشاركة، وأن اسمه سيخلده التاريخ، وسيكون ملهمًا للشباب، والأجيال القادمة.

طوال مطاردته كان والدا عدي يتابعان أخبار ملاحقته بترقب، بعدما انقطع اتصالهم بنجلهم، لكن دعائهم للمولى أن يحفظه ويبعد عيون جيش الاحتلال عنه ظلَّ يحرسه، إلى أن تمكن من مباغتة الاحتلال مرةً ثانية.

يطل عدي على حديث والده، منتقلاً لآخر لحظات جمعته بابنه: "اتصل بي يوم الجمعة (قبل تنفيذه عملية شعفاط بيوم) وسألني إن كنت أحتاج شيئًا من الخارج كما يفعل كل مرةٍ: "هيني راجع البيت يابا، بدك اشي معي!؟"، ويوم السبت (تنفيذ العملية) خرجت مع والدته وكان نائمًا في البيت، وعندما عدت سمعت عن العملية، ولم أتوقع أن يكون ابني عدي منفذها".

"عدي" صاحب الوجه المستدير كالبدر أنار ليل فلسطين، حاد النظرات، صاحب وجه مشرق، استمد صلابته من اسم عائلته المشتق من "الصلابة والشِدّة" وكانت هذه المعاني واقعًا مارسه وليس في معاجم اللغة فقط.

في مشهد اشتباك عدي الأخير، انهالت عليه نيران كثيفة، أصيب وهو واقفٌ، لكنه لم يسقط، ظلَّ يصوب مسدسه ويتشبث به ليداوي جرح الوطن، يضع يده الأخرى على جرحه، اخترقت رصاصات أخرى قدمه، وظهره، ويده، فسقط ثم نهض متحاملاً على جرحه وواصل الاشتباك وإطلاق الرصاص "مقبلاً غير مدبر".

نسي ألمه، وبحث عن مخزن الرصاص الذي ابتعد عنه قليلاً، حاول إخراج القنبلة لكن ظروف المعركة لم تساعده، تلقى مزيدًا من الرصاص، نزفت دماؤه، لم يرخِ رأسه للأرض بل ظل مرفوعَ الرأس.

وكما أزال الصفر بينه وبين الجنود بعمليته الأولى، أيضًا جعل المسافة صفرًا بينه وبين الشهادة في الثانية، ظل مشتبكًا حتى آخر شهقة خرجت من أنفاسه، وكتب الفصل الأخير في رحلة المطاردة، لكنه فتح صفحة جديدة كانت هدفًا من عمليتيه، بأن يسير الشباب على خطاه، ويحمل فارس آخر البندقية من بعده.

اخبار ذات صلة