قام جيش الاحتلال الاثنين الماضي بشن حملة اعتقالات واسعة في الضفة الفلسطينية المحتلة طالت العشرات من الشبان الفلسطينيين، في الوقت الذي يواصل فيه حصاره الخانق لمدينة نابلس وقد راعه العمليات التي تشنها وحدات "عرين الأسود"، وهو يأمل اعتقال أو قتل عناصرها الذين باتوا اليوم هاجس الكيان جيشاً وقيادات سياسية وعسكرية وأمنية.
وكان عدد من جنرالات الجيش النازي قد أعلنوا أن عمليتهم ضد نابلس تهدف إلى شن عملية عسكرية استباقية لمنع وقوع هجمات "عرين الأسود" الذين توعدوا جيش الاحتلال بجعل احتلالهم وولوغهم في الدم الفلسطيني جحيماً، وبمطاردتهم في كل الأرض الفلسطينية حتى دحرهم تماماً كما وقع لهم في قطاع غزة 2005 وفرض تفكيك مستوطناتهم التي تجثم على صدر الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس المحتلتين وعلى طريق تحرير كامل تراب فلسطين.
أما إذاعة العدو الرسمية "كان" فقد أعلنت "أن الأجهزة الأمنية تنظر في إمكانية شن حملة عسكرية واسعة النطاق ضد مجموعة "عرين الأسود" في نابلس".
ويستمر ومنذ أكثر من أسبوع، حصار جبل النار وإغلاق الطرقات المؤدية إلى المدينة، إلى جانب إغلاق مداخل معظم البلدات والقرى في المحافظة بالمكعبات الإسمنتية والسواتر الترابية، كرد فعل على تصاعد وقوة العمليات العسكرية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه على يد وحدات "عرين الأسود".
ولكن هذه الهجمات لم تفت في عَضد المقاتلين ولا في حجم الحاضنة الشعبية التي تزداد رسوخاً في إسناد وحدات "عرين الأسود" وجميع المقاومين الفلسطينيين في كل المواقع النضالية في الأرض المحتلة وهي نماذج أضحت صادمة لجيش العدو ومستوطنيه حين ينخرطون بصدورهم العارية في مواجهة آليات ودبابات جيش الاحتلال حال إقترابه من أماكن سُكناهم.
الناطق باسم قوات العدو أعلن الأحد المُنصرم إن "الحصار على نابلس سيستمر ما دام هناك حاجة لذلك".
ولكن نابلس لم تهدأ، فالمواجهات الليلية تجري على جبهات عدة في المدينة وعلى أطرافها، وقد أفاد ضباط الجيش الغازي وشهود عيان من سكان المدينة أن أصوات إطلاق النار لا تهدأ وأن رجال المقاومة يستهدفون مركبات وآليات العدو، حول نابلس ومخيم بلاطة للاجئين المحاذي لمنطقة الضاحية التي اقتحمها الاحتلال وأوقع في صفوف المدنيين عدداً من الجرحى بالرصاص الحي والمطاطي وحالات إختناق بالغاز المُسيل للدموع.
وسائل الإعلام العبرية قالت إن قوات الجيش حاصرت منزل المواطن حمزة العزيزة وقامت باعتقاله مُدّعيةً أنه من القادة البارزين في مجموعة "عرين الأسود"، في الوقت الذي نفت فيه "العرين" أي صِلَةٍ لهذا المعتقل بها وقد جاء ذلك في بيان مقتضب مُبَيّنةً أن العدو وصل إلى حالةٍ من التخبطِ والهوس.
وتستمر الاشتباكات في نابلس وجوارها، ففي فجر الاثنين الماضي استهدف أبطال "العرين" قوة احتلالية قرب مستوطنة "شافي شمرون" غربي مدينة نابلس، وقد أكد موقع كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وقوع هذا الاشتباك وانسحاب المقاتلين بسلام بعد أن أوقعوا إصابات في صفوف العدو.
كما سُمِعَت أصوات تبادل كثيف لإطلاق النار فجراً قرب دوار دير شرف غربي نابلس، وفور انتهاء الاشتباك قام جيش العدو بمداهمة المحال التجارية والشوارع المحيطة وصادر تسجيلات كاميرات المراقبة، كما أغلق حاجز "شافي شمرون" بالاتجاهين وكذلك شارع دير شرف باتجاه طولكرم.
جرائم حرب على مدار الساعة وإرهاب دولة منهجي ومنظم يفترض تحركاً دولياً حاسماً لوضع الكيان الصهيوني على قوائم الإرهاب.
عدوانات جيش الاحتلال تتصاعد، وعمليات القتل تتوالى وترتفع وتيرتها وتغطي حَيزاً جُغرافياً يتسع كل يوم مع اقتراب استحقاق الانتخابات البرلمانية بداية تشرين الثاني القادم، إنها عدوانات الكيان الدموي الغاصِب التي تتقاطع مع التآمر الاستخباري للأجهزة الأمنية لسلطة كرزاي التي تعمل على مدار الساعة لتزويد قيادة قوات الاحتلال بكل ما تمتلك من المعلومات التي تجمعها عن عُدّة وعديد رجال المقاومة المنتمين لفصائل العمل الوطني وعلى نحو خاص فرسان وحدات "العرين".
وَيُلحظ في الآونة الأخيرة أن هناك توجهاً لدى العدو لاستخدام المسيرات لجمع المعلومات أو تلك المزودة بالصواريخ لاغتيال المقاتلين قبل وخلال اجتياحات جيش الاحتلال للمناطق الفلسطينية بما يؤكد الفشل الذريع الذي مُنيَت به كتائبهم في مواجهة المقاومة المسلحة إلى جانب ترسيم سقوط حملة "كاسر الأمواج".
هذا الغزو المحموم لجبل النار إلى جانب عديد المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية والذي تحاول من خلاله المنظومة الأمنية الصهيونية وفي المقدمة منها جهاز الأمن العام "الشاباك" وقف الزحف المقدس لمجاهدي المقاومة دون جدوى وهو الذي زعزع ثقة التجمع الاستيطاني الصهيوني بقدرة الجيش على توفير "الشعور بالأمن"، وقد أبرزت القناة الـ13 العبرية في استطلاع للرأي أن 4 من بين كل 10 من المستوطنين اليهود يرون أنهم يعيشون ظروفاً صعبة لا أمن شخصي فيها وأنهم يفكرون في مغادرة البلاد إلى دولة توفر لهم الاستقرار والطمأنينة.
ويؤكد ضباط جيش الاحتلال، وكما تشير وسائل الإعلام العبرية، وما أوضحه تصريح وزير الجيش بني غانتس أن المؤسسة الأمنية بكل مكوناتها في الجيش والشاباك والشرطة ستوظف كل الوسائل المتاحة لها لاستعادة الأمن المفقود إلى شوارع الكيان.
في الوقت الذي يتهم فيه رئيس الحكومة يائير لابيد تلك الأصوات العالية والغاضبة نظراً للإخفاقات المتكررة التي سقطت فيها الأجهزة الأمنية "بأنها غير صحيحة، وغير عادلة وتخلو من المسؤولية الوطنية".
وما يزيد هذا السُخط أواراً هو ما تردده دوماً قيادات الكيان بأنه يمتلك إمكانيات بشرية وتكنولوجية وعسكرية ومالية هائلة.
وها هي نابلس اليوم وشقيقتها جنين الصمود تكشفان بجلاء حجم التدهور والرعب الذي يعيشه كل من الجيش والشرطة أمام صمود الشعب ومقاومته الباسلة في كل أركان ضفة القسام، وكذلك عجز المنظومة الأمنية على فهم العقلية الفلسطينية ومخزون الإرادة الصلبة لفرسان المقاومة الذين تتعدد جبهاتهم من الضفة إلى غزة العزة وتحركات الشعب الفلسطيني في مناطق 1948 المنزرع جذوراً تذهب عميقاً في التراب الطهور.
مَسيرةٌ تتصاعد وتتوحد فيها الجهود المباركة نحو هدفها الحتمي لكنس الاحتلال مرة وإلى الأبد.