تخرج بين الحين والآخر مبادرات جديدة ومقترحات تحاول إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي ووضع حلول للانقسام الذي دخل عامه الحادي عشر، وترك آثاره الخطيرة على حاضر ومستقبل العمل الفلسطيني، ما فتح شهية أطراف إقليمية ودولية تقف على رأسها (إسرائيل)، طامحة لتصفية القضية الفلسطينية، وهي تنتظر هذه اللحظات التي يكون الشعب الفلسطيني مغيبًا تمامًا عما يجري ويدور من حوله، وهو أمر طبيعي إذا كنا غير قادرين على حل مشاكلنا بأيدينا، هل نستطيع حلها بأيدي الآخرين؟
في مواجهة التحديات الخارجية الماثلة أمام الشعب الفلسطيني فإن المدخل للمناعة الفلسطينية يرتكز بشكل رئيس على الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، وعلى الدخول في خطوات واقعية وممكنة وهي ما زالت بأيدينا وليست في يد أي طرف آخر. في سنوات الانقسام العجاف جرى إشراك أطراف متعددة (عربية وغير عربية) بهدف الوصول إلى حلول للأزمة الفلسطينية الداخلية، وعقدت عشرات اللقاءات والندوات وكتبت عشرات العرائض وجميعها طالبت بإنهاء الانقسام ومنها ما طالب بتنفيذ الاتفاقات الموقعة في القاهرة ومخيم الشاطئ ومكة والدوحة... إلخ، ولم تسفر كل هذه الدعوات عن حل لهذه المأساة بفصولها المعروفة.
الآن الأمر متوقف عند العديد من الأطراف على مطلب إلغاء اللجنة الإدارية. ولقد أبدت حماس في أكثر من مناسبة استعدادها للتخلي عن هذه اللجنة واشترطت لذلك أن تتولى حكومة الحمد الله مسؤولياتها أولًا، فجاء موقف محمود عباس بأن يكون إلغاء اللجنة الإدارية أولًا ليقوم بإلغاء الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها في الآونة الأخيرة، والموضوع ما زال عالقًا بين أولوية هذا الشرط أو ذاك.
وفي حال وافقت أطراف الانقسام وتم الاتفاق بينهم فسوف تفتح الأبواب أمام الأمل واستعادة الثقة بالتقدم بخطوات إلى الأمام مثل تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك بها القوى السياسية ومع كفاءات وطنية ومهنية، كما أن هذه الأجواء سوف تفتح الأبواب أمام إصلاح الوضع السياسي الفلسطيني بالعودة للقرارات التي اتخذتها اللجنة التحضيرية في اجتماعات كافة القوى السياسية مع أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في كانون ثاني الماضي في بيروت، وأهمها الاستعداد لإجراء انتخابات شاملة: رئاسية وتشريعية وتشكيل مجلس وطني (توحيدي) جديد، وهي قرارات لا بد من احترامها وتنفيذها؛ فهي تشكل طريق الخلاص في الظروف الراهنة .
إن الطريق نحو استعادة الوحدة الوطنية بإنهاء الانقسام أولًا ليست مغلقة إذا توفرت الإرادة ودقة التقدير بالمخاطر الجدية التي تواجه المشروع الوطني الفلسطيني، وهناك حالة شعبية ناهضة لا بد من تطويرها وتنويع أشكال ضغوطها مستثمرين الحالة الشعبية من الصمود الوطني، والتي تمثلت في انتفاضة القدس الباسلة الأخيرة التي وحدتنا من جديد، وأتمنى أن تستمر الوحدة حتى تحقيق المصالحة المتعثرة لأكثر من عقد، لذا لا بد من ضغط شعبي يعبر عن ذاتها بتقديم حل يقوم على "التزامن" ما بين حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة والتراجع بذات الوقت عن كل الإجراءات وخطوات تقليص الدعم سواء في موضوع الكهرباء والتحويلات الطبية والتراجع عن قرارات وقف دعم الأسرى المحررين وتقليص رواتب موظفي السلطة في غزة، وأن تعود حكومة الحمد الله لتولي مسؤوليتها كاملة.