نجحت الجزائر في تحقيق اختراق في ملف المصالحة ولم الشمل الفلسطيني عبر إعلان الجزائر الموقع بتاريخ 13/10/2022م وبرعاية كريمة ومباشرة من عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية.
ماذا حصل خلال حوارات الجزائر؟ وما القراءة السياسية لما حصل؟ وما فرص تنفيذ إعلان الجزائر؟
بدأت الجلسة الافتتاحية بحضور وزير الخارجية رمضان لعمامرة وبحضور رسمي جزائري من مؤسسة الرئاسة الجزائرية، والفصائل الفلسطينية، وحضر ممثلين عن دولة قطر وسلطنة عمان. ثم انطلقت جلسات الحوار من أجل التوصل إلى صيغة يقبلها الجميع وتساهم في إنهاء الانقسام السياسي في وقت انقلبت فيه (إسرائيل) على "حل الدولتين"، وتمارس كل أشكال العدوان ضد الشعب الفلسطيني.
ما يميز جلسات الحوار في الجزائر هو اهتمام المستوى السياسي في الجزائر من أعلى الهرم السياسي وهو عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية الذي فاجأ الفصائل الفلسطينية بقدومه لمكان جلسات الحوار، وساهم وجوده هو وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس بتذليل الكثير من العقبات للتوصل إلى هذه الصيغة المتوافق عليها وهي إعلان الجزائر بعد نقاش عميق ومسودات عديدة قدمت، ومن أهم كواليس الحوارات ما حصل في أهم مرتكزات المصالحة الفلسطينية وهي الانتخابات وحكومة الوحدة الوطنية.
تم تداول ملف الانتخابات وسط رغبة فصائلية بأن تكون الانتخابات بعد ثلاثة شهور من تاريخ إعلان الجزائر، ولكن قوبل هذا الطلب بالرفض من قبل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، وأصرت فتح على أن تكون الانتخابات للمجلس الوطني والتشريعي والرئاسة بعد عام من تاريخ الإعلان.
قراءتي السياسية في محور الانتخابات أنها تزيد من حالة الإحباط لدى الشارع الفلسطيني انطلاقاً من أن ثلاثة شهور تكفي لو صدقت النوايا في تفكيك أزمة النظام السياسي الفلسطيني وصولاً إلى توحيده بعد تشكيل حكومة وحدة وطنية منبثقة عن خيار الشعب الديمقراطي، ولعل تجربة عام 2021م ماثلة أمام جماهير شعبنا، والتي لولا تأجيل رئيس السلطة محمود عباس لتلك التجربة الديمقراطية لتمت بسلام، وأن الدرس الأبرز هو قدرة شعبنا على إنجاز الانتخابات بأسرع وقت ممكن، لأن القانون جاهز ولجنة الانتخابات جاهزة وكان من الممكن لو صدقت النوايا إجراء الانتخابات بعد ثلاثة شهور من تاريخ الإعلان، أما الإصرار على عام فهذا تهرب واضح من استحقاق المصالحة.
ثم تم تداول ملف تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وكانت المسودة الأولى مختلفة عن الورقة الجزائرية، حيث أصرت حركة فتح على أن تكون الحكومة المقبلة توافق على "الشرعية الدولية" كمرجعية لها، وهو ما رفضته حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والقيادة العامة والصاعقة. ما دفع الجزائر لتقديم ورقتها والتوافق على أن تكون الحكومة القادمة تؤمن بقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي ووثيقة الوفاق الوطني، وتم التوافق عليها وكاد الجميع أن يوقعها، إلى أن رن هاتف القيادي الفتحاوي عزام الأحمد، لتصله رسالة رئيس السلطة محمود عباس بضرورة التمسك بـ"الشرعية الدولية" كأساس لتشكيل أي حكومة، وهنا ساد هرج ومرج في القاعة، والجزائر أصبحت في موقف صعب للغاية، لأنها حريصة على تحقيق هذا الحلم الذي يخدم القضية الفلسطينية، وقد وجهت دعوات للسلك الدبلوماسي العامل في الجزائر لحضور الاحتفالية والتي كانت مقررة الساعة الثالثة من عصر يوم الخميس 13/10/2022م.
وجود السيد إسماعيل هنية والرئيس الجزائري ورغبة بقية الفصائل بنجاح الدور الجزائري دفع الجميع إلى التوافق على سحب بند الحكومة نهائياً من إعلان الجزائر، وهو ما تم بالضبط.
في تقديري أن إصرار رئيس السلطة محمود عباس على "الشرعية الدولية" بغض النظر عن بعض المبررات المتعلقة بجلب الحصار ووقف التمويل للحكومة ما لم تلتزم "الشرعية الدولية"، إلا أن هذا الإصرار بمثابة إلزام مجاني للحكومة في الوقت الذي لم تلتزم (إسرائيل) بأي شيء، وهو ما صرح به علانية رئيس السلطة عباس قبل يومين بأنه غير ملزم التزام اتفاقيات لم تلتزم (إسرائيل) بها.
إن فرص نجاح إعلان الجزائر يتوقف على ثلاثة مسائل:
الأولى: الإرادة السياسية للفصائل الفلسطينية وحجم الضغط الشعبي على تطبيق إعلان الجزائر، ولا سيما بند الانتخابات لكونه البند الوحيد المرتبط بسقف زمني.
الثانية: مدى قدرة الجزائر على دفع الدول العربية بأن تتبنى إعلان الجزائر في قمة نوفمبر ليصبح له حاضنة عربية تتبناه وتعمل على تحقيقه.
الثالثة: ضرورة أن تضغط الجزائر بكل الوسائل على الطرف المعطل لإعلان الجزائر.