فلسطين أون لاين

عادل داود.. بـ"علم" و"كوفية" ودَّعت قلقيلية "الفتى الشهم"

...
الشهيد الفتى عادل داود
قلقيلية-غزة/ يحيى اليعقوبي:

على مسافةٍ بعيدة من السياج الإسرائيلي القريب من جدار الفصل العنصري في قلقيلية، جلس الطفل عادل داود (14 عامًا) مع صديقيه بعد صلاة الجمعة على تلة طينية بين أشجار زيتون.

لم يفُق الطفل فقط على سرقة أرض أجداده البالغة مساحتها 96 دونمًا صادرها الاحتلال، بل أفاق على أسر عمه "محمد" الذي اعتقله الاحتلال عام 1987، ويقضي حكمًا بالسجن مدى الحياة، أمضى منها 35 عامًا، فكان هذا الواقع سببًا أن يحلم الطفل الذي لم يرَ عمه بأن يكون "محاميًا"، حينما يكبر ليدافع عن قضية الأسرى.

لم يكن الطفل بعيدًا عن مرمى نيران الجنود، حينما أطلق الجندي رصاصة اخترقت رأسه وسقط للخلف (7 أكتوبر الجاري)، على حين ابتعد صديقاه خوفًا من أن يأتي دورهما، سرعان ما جاءت سيارات الإسعاف الفلسطينية بعدما نقل الطفلان الخبر، إلا أن الجنود أخروا إسعافه لثلاثين دقيقة ليكملوا جريمتهم في وقتٍ كانت الدماء تسقي الأرض.

علم فلسطين وكفن

في المنزل، كانت أمه تتحرك وتجر مخاوفها خلفها، بعدما لم يرد طفلها على "اتصالها" ولم تدرِ سبب مخاوفها، حتى أنصت لطرقات البيت، وكان خلفه صوت طفل من أبناء الجيران لم يدرِ أن نقله للحدث "اليهود طخوا عادل براسه" سيلقي بأمه أرضًا مغمًى عليها، فلم تصدق الخبر إلا عندما ذهبت للمشفى وعادت لوعيها، ووقفت أمام "صدمة العمر" حينما رأت طفلها الصغير ممددًا على سرير المشفى.

لم يمر وقتٌ طويل، حتى جاءها "عادل" إلى البيت محمولاً، يكفن بعلم فلسطين، وكوفية تحتضن رأسه وطوق ورود بيضاء تعلو هامته، ينام الطفل كملاك، على حين تسد أنفه قطع من القطن خوفًا من تجدد نزيف الدماء.

"صباح الخميس سافرت جدته وحزن على سفرها كثيرًا، وفي المساء سهرنا حتى فجر الجمعة اتفقت معه أن يساعدني يوم الجمعة لتجهيز غرفة شقيقه الأكبر الذي يدرس بالمرحلة الثانوية العامة (التوجيهي)، ووعدني أنه لن يخرج من البيت"، لكن أمه منال الباشا التي تروي لصحيفة "فلسطين" ما سبق أفاقت على خروجه من المنزل للصلاة.

تدرس والدته الماجستير وعندما تعود كان "عادل" يتسابق مع إخوته في استقبالها، لا يكف عن السؤال عنها وبرها، تستذكر: "قبل عام مرضت، وتفاجأت أنه ذهب سيرًا لمسافة طويلة ليجلب لي الدواء المطلوب، معروف عنه أنه شهم يحب المساعدة، طيب، حنون، كريم، يحب الضحك والحياة وأصدقاءه".

يكسر جرح الفقد قلبها وصوتها: "ابني كان بعيدًا عن نقطة الجيش، لم يكن هناك مواجهات، أخذوا فلذة كبدي مني".

طموحات كثيرة

لم يمضِ والده لحظات كثيرة مع ابنه يوم الجمعة، سوى أنه استأذنه الخروج مع أصدقائه لمنطقة الأراضي الزراعية التي تتميز بالهدوء، ولم يكن هناك أي أحداث ليرتكب الاحتلال "جريمة دموية بحق الطفل"، أدخلت والده أيضًا في صدمة، عندما ارتج هاتفه خلال صلاة العصر، وبعد انتهائه من الصلاة وجد مكالمات فائتة من شقيقه وابنته، ليصل إليه الخبر الاستشهاد بعد ذلك.

يقول والده إبراهيم داود لصحيفة "فلسطين"، عن حلم ابنه الطفل: "هو في بداية عمره، ولديه طموحات كثيرة، أراد دراسة المحاماة حتى يدافع عن عمه ويظهر مظلومية الشعب الفلسطيني ومظلومية قضية الأسرى، وكان يمني النفس بأن يرى عمه ولو مرة واحدة، إضافة لذلك يحب الحياة والرياضة خاصة السباحة".

قبل استشهاد عادل أصيب شقيقه الأكبر يوسف (17 عامًا) بيده، و"هذا ليس جديدًا على احتلال يبني سياسته على الخراب والدمار وسرقة الأرض واستهداف الأطفال، ماذا سنلقى منه في النهاية؟"، يتساءل والده بحرقة.

لا يبعد منزل داود كثيرًا عن موقع الاستشهاد، وهذه المنطقة بالعادة تشهد مواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال ولا تتوقف فيها أصوات الرصاص وقنابل الغاز، حتى موسم جني "الزيتون" ينغص فيه الاحتلال على الأهالي.

في مراتٍ عديدة صعد الأب وابنه فوق التلة الترابية التي قتله الجنود عليها، ودارت بينهما حوارات كثيرة حول الأرض المسلوبة الواسعة خلف السياج ينقل والده عن حنين طفله للأرض "تأمل أن يعود لأرضنا، وأن يركض ويزرع بين أشجارها، كنت دائمًا ألمح نظرات الحزن على هذا الواقع الذي كبر عليه ومن قبل ذلك هدم منزلنا إضافة لسرقة الأرض وأسر عمه، والآن يضيف الاحتلال الدموي جريمة جديدة بقتل ابني".