حذرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في العديد من بياناتها وتصريحات مسؤوليها من خطورة الخطط الصهيونية التي تتمثل في الاعتداءات اليومية والاقتحامات وعمليات التدنيس والنفخ في البوق وأداء الصلوات التوراتية وحتى الرقص وأفعال المجون في باحات المسجد الأقصى المبارك تمهيدًا لتقسيمه مكانيًا وزمانيًا، والذي بدأ فعليًا منذ بضعة أشهر وعلى نحو صارخ، وكل ذلك على طريق تهويده بالكامل ونفي أي صلة له بالدين الإسلامي وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وثاني المسجدين، بوابة السماء، في القدس عاصمة فلسطين الواحدة الموحدة والأبدية.
ولقد رفعت الصوت في هذا الشأن جهات فلسطينية وعربية وإسلامية وحتى دولية كثيرة تُنبه لتوجه كيان الاحتلال العدواني وللحجم عنصريته وخرقه للقانون الدولي والإنساني وحجم تمرده على كل الأعراف وعمليات التنكيل والقتل التي توصف بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وتتكرر كل تلك الأفعال الدموية والشائِنة، في الوقت الذي تقوم فيه سلطات جيش الاحتلال وقوات الشرطة بإغلاق المسجد الأقصى بين حين وآخر في وجه المؤمنين المصلين الفلسطينيين تحت دعاوى تأمين اقتحامات المتطرفين اليهود الصهاينة طوال أيام العام وعلى نحو خاص أيام ما يزعمون أنها "الأعياد اليهودية" وفي ذكرى ما يُسمى عيد العُرُش اليهودي.
ولا بد من التذكير هنا إلى أن الكنيست الصهيوني قد اتخذ "قراره" بضم القدس بعد احتلال شرقي المدينة بعدوان حزيران 1967، وهو "القرار" الذي لم يحظَ بشرعية دولية، وعكس ذلك تمامًا فقد أصدرت الأمم المتحدة عددًا من القرارات تطالب فيه (تل أبيب) بالتراجع عن ذلك.
ولم تتوقف دولة العدو عن عدوانها الذي يستمر من خلال الإجراءات التي تتخذها لجنة الداخلية والأمن بالكنيست الصهيوني في كثير من المرات.
ورغم أن عديد البرلمانات العربية، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي قد أدانت واستنكرت اعتداءات العدو المتكررة على المسجد الأقصى والذي عدته الأخيرة بأنه "اعتداء يصيب الأمة في أَحَد أَعز وأقدس مقدساتها، ويقتضي الوقوف في وجهه ومنع تكراره"، ومُحَملًا العدو مسؤولية تبعات ذلك، وأن الأمة لن تسكت طويلًا عن استمرار التدنيس والانتهاكات!
ولكن الصمت العربي والإسلامي الرسمي استطال كثيرًا في الوقت الذي يأخذ فيه شعب فلسطين المرابط المجاهد وفي المقدمة منهُ رجال ونساء القدس الذين يرابطون على مدار الساعة لِصَدّ القتلة والعنصريين الصهاينة من المستوطنين والجيش والشرطة الذين يعيثون فسادًا في القدس المباركة وفي المسجد الأقصى.
ولقد حذر الباحث المقدسي والمسؤول في دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس المحتلة د. جمال عمرو من أطماع الجمعيات اليهودية المتطرفة والتي تعتزم اقتطاع مساحة خمسة دونمات من الجزء الشرقي للمسجد بمنطقة باب الرحمة ومحيطها والاستيلاء عليه لتخصيصه لأداء طقوس المستوطنين اليهود.
ولا يخفى غُلاة المستوطنين الصهاينة أمثال غليك وبن غفير، ووزراء صهاينة في حكومة العدو تلك النوايا والمخططات التي باتت جدية وتمارس على الأرض التي وصلت إلى حد إعلانها جهارًا نهارًا، ومن بينها كذلك اقتطاع جزء آخر شمال قبة الصخرة عند "قبة الأرواح" والتي يسميها الصهاينة بـــ"قبة الألواح" لبناء مَعْلَمٍ ديني على امتدادها.
ويشير عدد من قادة جماعات الهيكل إلى تفكيك "قبة الصخرة" وترحيلها إلى بلدة أبو ديس، بل ويجري الحديث عن نسف المسجد الأقصى وبناء أسطورتهم الزائفة "الهيكل الثالث" المُدَّعى مكانه.
من جانبه دعا نائب المدير العام للأوقاف الإسلامية في القدس الشيخ ناجح بكيرات جميع من تعز عليهم القدس والمسجد الأقصى إلى شد الرحال والرباط في باحات المسجد الأقصى لمواجهة مخططات اليهود الصهاينة بحماية جيشهم المجرم الذين يخططون لتدنيس الأقصى بالآلاف. وأضاف أن حكومة الاستيطان تريد أن تستفيد من الزمن لوضع قدم في المسجد الأقصى المبارك وفرض أهدافها على مراحل، لأن الهجمات الراهنة يجب أن تؤخذ على مَحمل الجِدّ لخلق واقع قداسة يهودي ومكانًا للصلاة يُرَسِّمُ تهويده بالكامل.
وشدد بكيرات على أن مخططات العدو الخطيرة مرفوضة فالمسجد مُقدسٌ إسلامي لا يقبل القسمة ولا التفاوض، وما تحت المسجد وفوقه إلى عنان السماء حق خالص للمسلمين وليس لأي دين أو طائفة ذرة تراب فيه.
ويتضح بذلك أن المقدسات الإسلامية كما الدم الفلسطيني تصبح -كما كانت دومًا- أوراقًا انتخابية يريد فيه المتسابقون كسب أصوات المستوطنين الصهاينة في ماراثون الكنيست.
فالاحتلال يخوض حربًا ضد الوجود الفلسطيني على أرضه، ومقدساته وعلى بنيانه وروايته وثقافته وجذوره، والذي سيفجر حربًا دينية ووطنية طاحنة سيكون لها أبعادها التي ستتجاوز ليس فقط جغرافيا فلسطين ولكنها ستمتد نحو الإقليم وأبعد من ذلك بكثير.
الأوضاع في الضفة الفلسطينية المحتلة تزداد سخونة، والقناة الــ12 العبرية، تقول: إن الجهاز الأمني يواصل إعلان حالة التأهب القصوى في القدس وعلى طول خط التماس وفي الضفة فإن الإغلاق قد دخل حيز التنفيذ ليلة الاثنين الماضي. أما رئيس أركان جيش العدو أفيف كوخافي ففي زيارته لموقع عملية شعفاط الأحد الفائت قال: "علينا استنتاج العِبَر لمنع تكرار الحادث"!
حركة "حماس" تدعو الجماهير للزحف نحو القدس والرباط فيه وحمايته والدفاع عنه وكذا تنادت كل فصائل العمل الوطني المقاوم للصمود أيًا كانت التضحيات أما الأذرع المسلحة فهي موحدة واليد على الزناد، وأبطال المقاومة في ضفة يعبد يُعِدّون لمفاجآت جديدة، وشعبهم المرابط يساندهم ويلتحم معهم في الميدان، ومواعيد المواجهة لا شك تقترب أكثر، والظفر كما كان دومًا أكيد وقادم.