قائمة الموقع

"العاصي".. رواية تفصل بين الوعي الوطني المتسق والمهزوم الملتبس

2022-10-12T08:33:00+03:00
رواية العاصي للأسير سائد سلامة تفصل بين الوعي الوطني المتسق والمهزوم

استطاع الأسير المقدسي سائد سلامة ابن بلدة جبل المكبر في روايته "العاصي" أن يصور مجريات الأحداث التي تتكرر على الدوام في الساحة الفلسطينية التي شهدت تغيرات نتيجة تبدلات سياسية واقتصادية على مدار سنوات، وفتحت أبواب الجدل بشأن ما كان يسمى "بديهيًا".

تدور أحداث الرواية حول شاب يقدم على عمل "تضحية" وفقاً للمعيار الوطني والاجتماعي المتعارف عليه. تحاول الرواية أن ترصد ردود الفعل من مستويات اجتماعية مختلفة، إزاء بعض الأحداث التي تتمحور حول ظروف الشاب الذي يخضع لعملية مطاردة من أجهزة أمن الاحتلال.

كما تقدم قراءة نقدية حول التغيرات في المنظور القيمي الاجتماعي الذي أعيد تشكيله نتيجة التغيرات التي فرضتها التبدلات السياسية والاقتصادية على مدار سنوات طويلة منذ اتفاق أوسلو، حيث انعكست مجمل هذه التغيرات على الفهم المجتمعي والشعبي للمقاومة، وفتحت أوسع أبواب الجدل حول ما كان بديهيًا ومحط إجماع. 

خارج السيطرة

أن تكون كاتبًا داخل السجن ليس بالأمر الهين كما يظن البعض، فالظروف مواتية ووقت الفراغ الذي يعيشه الأسير كبير، ولكن هذا الأمر ليس حتميًا لدى سجان يحاول أن يخمد صوت أي إبداع يمكن أن يعبر عن هوية الأسرى.

سهاد سلامة تعي الظروف التي عاشها شقيقها الأسير سائد في أثناء كتابة الرواية، مبينة أن الكتابة في ظروف ليس فيها أدنى مستوى من السيطرة أشبه بالولادة المتعسرة، "فالوقت الذي هو وعاء الأحداث وانتظامها وكذلك الفضاء العام الضيق الذي لا يوفر إمكانية اقتطاع المساحة الشخصية المطلوبة، وهي مسائل متعذرة، تظل محكومة في الغالب للمصادفات ولاجتهادٍ شخصي متقن في ملاءمة الذات للظرف المواتي".

وتتابع سلامة حديثها لـ"فلسطين" نقلًا عن شقيقها: "في ظل هذه المعطيات تنشأ الكتابة كفعل يتجاوز شروط إنتاجه، هذا إذا أضفنا لعاملي الوقت والمكان محدودية ثقافة الكاتب التي يفرضها واقع السجن وانعدام إمكانية الوصول إلى المعلومات التي تثري موضوع الكتابة، الأمر الذي سيؤثر حتماً في مستواها".

من جوهر الواقع

وعن الشخصيات التي تضمنتها الرواية، تبين سهاد أن ملامح الشخصيات والمرجعيات التي تحكم الفعل الروائي مستمدة من جوهر الواقع، يستطيع القارئ أن يتبينها بِيُسر في ملامح عامة الناس وفي المدن والقرى والمخيمات كافة، "هي شخصيات واقعية بامتياز على الرغم من ابتكارها وتوظيف الخيال لها وللأدوار التي قامت بها في سبيل خدمة السياق الدرامي لتطور الأحداث".

وتلفت إلى أن سائد لم يكن في نيته كتابة الرواية، إذ كان يخطط لكتابة قصة قصيرة في أحسن الأحوال، وهذا يعود لسبب بسيط جداً هو أنه لا يملك القدرات التقنية لكتابة رواية، غير أن تراكم القصص والمواضيع حمله عن غير قصد إلى توسيع عملية البناء حتى تحولت إلى بناءٍ روائي، وهو أمرٌ ترافق مع قرار شخصي تولد لديه في إطار التجريب.

بدأ الأسير سلامة كتابة الرواية في عام 2018م، فراح يكتب وفي ذهنه تصور واضح عن الفكرة التي يتمحور كل شيء حولها، لكنه كان ينقطع عن الكتابة لفترات متفاوتة تطول أحياناً إلى بضعة أشهر مثلما جرى في أثناء عمليات التفتيش التي يطلق عليها "العلاج الجذري" (عملية تستدعي انتقال الأسرى من الأقسام الموجودين فيها).

مضمار روائي صعب

تذكر شقيقته أنه حينها عندما رجع إلى الدفاتر أحس بأنه يجب عليه البدء من جديد، كان كل شيء في رأسه حول أحداث الرواية قد تهشم، وأصبح لزاماً عليه أن يشحذ همته ليعود بمسار الكتابة إلى مضماره.

وعن الصعوبات والمعيقات التي واجهت سلامة حتى سبقته رواية "العاصي" إلى الحرية، تلفت سهاد إلى أن الصعوبات لم تقتصر على عمليات التفتيش التي فرضت عليه اتباع وسائل معينة للحفاظ على المادة المكتوبة، فالصعوبة الأكبر كانت تتمثل في إخراج تلك المادة إلى خارج السجن.

تقول: "ولأنه خلال فترة كتابة الرواية كان يقبع في سجن لا تتوافر فيه هواتف خلوية مهربة، لجأ سائد لإرسال المادة إلى سجون أخرى عبر البوسطات حيث يلتقي الأسرى من كل السجون في المعابر".

وتتابع سهاد: "هذه العملية تستغرق وقتاً طويلاً، وكم من المرات التي ضاعت فيها المواد ولم تصل فيعاود نسخها مراتٍ عديدة لكي يبعث بها إلى أكثر من جهة لضمان وصولها".

وتردف: "في ظل هذه الظروف لا ينكر سائد أنه وصل إلى حالة من اليأس بسبب صعوبة إخراج المواد، ولا يغالي حين يقول إن هذه الصعوبة تتجاوز صعوبة الكتابة في ذاتها على الرغم من أنه كاتب مبتدئ، لقد استغرقت منه كتابة الرواية قرابة السنتين أو أقل قليلاً لكن إخراج المواد المكتوبة تجاوز الثلاث سنوات".

المقاومة بمنظور جديد

يقول مقدم الرواية، الباحث والناقد في قضايا الثقافة والأدب الفلسطيني فيصل درّاج، إنّ الأسير سلامة يستأنف في "العاصي" رواية المقاومة الفلسطينية بمنظور جديد، يفصل بين الوعي الوطني المتسق ووعي مهزوم ملتبس، ينتسب إلى فلسطين وينسى معناها، ويهمّش دلالات الكرامة والهوية والذاكرة الوطنية، ويكتفي بفتات السلامة الذاتية والربح الرخيص، ويعبث بصور الشهداء وتضحياتهم.

ويوضح أن الرواية تستذكر قيم الكفاح التي حفظت وحدة الشعب الفلسطيني وتندّد بنقائضها معلنة بصوتٍ عالٍ، عن زمن مقاتل سبق الفعل السلطوي الراهن عن زمن متساقط تلاه، استعاض عن المواجهة بالتخاذل، وعن المصلحة الوطنية الجامعة، بمصالح فئوية مسلّحة، تدّعي الدفاع عن فلسطين وتلقّن الفلسطينيين دروس الإذعان، متوسّلة ثنائية التجويع والترهيب، كما لو كان الفلسطيني لا يحصل على "خُبْزِه المرّ إلا إن كان خاضعاً..."

ويشار إلى أن الأسير سائد سلامة، اعتقل في 30 مارس/ آذار 2001، ويقضي حكمًا بالسجن لمدة 24 عامًا لمُشاركته في خلية عسكرية، وقد تنقل في سجون عدة ويقبع حاليًا في سجن "نفحة".

اخبار ذات صلة