بعد أسابيع من اختفائه ظهر المطارد "ماهر تركمان" الذي تتهمه قوات الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ عملية الأغوار في الرابع من أيلول/ سبتمبر الماضي، خلال تشييع شهداء جنين في الثامن والعشرين من الشهر ذاته، والذي وصفه الإعلام العبري معقبًا على ظهوره بأنه "ضيف مفاجئ" ظهر في جنين.
في الجنازة نفسها ظهر المطارد فتحي خازم والد الشهيدين رعد وعبد الرحمن، الذي بات أحد أبرز المطلوبين لجيش الاحتلال بعد تنفيذ نجله رعد عملية "ديزنغوف" البطولية بـ(تل أبيب)، في أبريل/ نيسان الماضي، وأسفرت عن قتل 3 مستوطنين، وإصابة 10 آخرين بجراح مختلفة.
ليس غريبًا أن يكون مخيم جنين مأوًى للمطاردين والمقاومين، فقد لجأ إليه مئات المطاردين قبل تركمان وخازم، مثل الشهيد يوسف ريحان "أبو جندل"، الذي قتل جنديًّا إسرائيليًّا على أحد الحواجز في بداية الانتفاضة الثانية، وتوجّه بعدها لجنين التي أصبحت معقلًا للمقاومة، إلى أن استُشهد في معركة نيسان/ أبريل 2002 عندما اجتاح الاحتلال المخيم.
ويعترف جيش الاحتلال بضراوة المقاومة وتطورها في جنين، فقد وصف قائد عملية اغتيال عبد الرحمن خازم ورفيقه محمد براهمة بـ"المعقدة"، و"الجحيم الذي استمر مدة 3 ساعات تحت نيران كثيفة"، مشيرًا إلى أنّ عشرات الآلاف من الرصاصات أُطلقت تجاه الجنود من وحدته والوحدات العسكرية التي شاركت، كما تم للمرة الأولى استخدام عبوة جانبية.
مخزون وطني
يقول الكاتب والمحلل السياسي من مخيم جنين، ثامر سباعنة، إنّ في مخيم جنين مخزونًا وطنيًّا وثوريًّا قديمًا، بدأ بلجوء المجاهد العربي الشهيد عز الدين القسام إليه، الذي قاتل واستُشهد في جنين، ولحقه رفيق دربه وابن المخيم فرحان السعدي الذي قاد الثورة الفلسطينية بعده، مرورًا بأحداث ثورية عديدة، حتى اجتاح الاحتلال المخيم قبل عشرين عامًا وحدثت معركة بطولية تاريخية.
ويربط سباعنة لصحيفة "فلسطين"، بين مقاومة مخيم جنين عام 2002 والمقاومة الحالية، مبينًا أنّ ذاكرة الجيل الحالي من المقاومين مرتبطة بجيل الانتفاضة، لأنهم شاهدوا حصار المخيم وهدم البيوت واستشهاد المقاومين.
وشكّل المخيم حاضنة شعبية للمقاومين والمطاردين، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لـ"سباعنة"، الذي يرجع أسبابه لطبيعة المخيم الذي يسكنه لاجئون هُجّروا من ديارهم، وما زالوا يشتركون بالمعاناة ويمتلكون كل مقومات الثورة، وهم الآن يحمون المطاردَين ماهر التركمان وفتحي خازم، وهذا دليل على وجود رصيد شعبي داخل المخيم.
ويرى أنّ وجود حالة رمزية للمقاومين مثل خازم، بعدما قدّم شهيدين من أبنائه، وهُدم منزله، وهو نفسه مطارد، فذلك يؤدي لاستمرار وتوحيد المقاومة.
ورغم التضحية الكبيرة التي قدمها المخيم عام 2002، فإنّ سباعنة يعتقد أنّ المخيم ما زال يحتضن المقاومة، وهو مستعد للتضحية كالسابق، وأصبح وجهة لكل المطاردين من كل المناطق الأخرى الذين يلجؤون إليه.
وأشار إلى أنّ ضعف سيطرة السلطة على المخيم أحد عوامل تطور المقاومة فيها، حتى وصلت إلى حدٍ لم يعد المقاومون ينتظرون دخول قوات الاحتلال للمخيم ليدافعوا عنه، بل ينفذون عمليات "إغارة" على مواقع وحواجز إسرائيلية خارج المخيم، كالتي نفّذها أحمد وعبد الرحمن عابد على حاجز "الجلمة"، وأدت لقتل ضابط إسرائيلي، ومن قبلهما ضياء حمارشة ورعد خازم.
ويعتقد سباعنة أنّ معركة "سيف القدس" مثلت نقطة تحول في تطور المقاومة في مخيم جنين، بعدما أعطت المقاومة في غزة أملًا لها بإمكانية قهر الاحتلال، وهذا أدى لانتقال فكرة الغرفة المشتركة للفصائل إلى جنين، ثم تطورت المقاومة وانتقلت من جنين لنابلس وطوباس ومناطق أخرى في شمال الضفة الغربية.
ملجأ المقاومين
من جهته رأى عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" في جنين جمال حويل، الذي كان جزءًا من مقاوميه عام 2002، أنّ المخيم لم ينتهِ يومًا من إيواء المقاومين والمطاردين حتى في عهد المهندس يحيى عياش ومحمود أبو الهنود، ولكنه تكرس في معركة نيسان/ أبريل 2002 وأصبح موطنًا للعزة والكرامة ومنارة تشعُّ منها روح الأمل للشعب الفلسطيني.
وقال حويل لصحيفة "فلسطين"، إنّ المخيم بالرغم من هدم أجزاء كبيرة من منازله وتسويتها بالأرض في معركة نيسان قبل عشرين عامًا، فإنّ الحالة النضالية ما زالت مستمرة فيه، ويتعامل مع كل من يلجأ إليه من المطاردين كواحد من أبنائه ويعطيه مساحة واسعة للتحرك والعلاقة الاجتماعية، مؤكدًا أنّ البيئة الحاضنة في المخيم تستند لتجارب نضالية على مدار سنوات عديدة.
ولفت إلى أنه يوجد في المخيم ما يقارب 100 مطارد حاليًّا، بينهم فتحي خازم الذي بات أيقونة نضالية للشعب الفلسطيني في كل مكان.
ورغم اختلاف بيئة المقاومة في المخيم بين انتفاضة الأقصى والوقت الحالي، نتيجة اختلاف الحاضنة السياسية؛ إذ يعارضها ويلاحقها رئيس السلطة محمود عباس، فإنّ الحاضنة الشعبية من أهالي المخيم بقيت كما هي بنفس الروح والعطاء والتضحيات في احتواء هؤلاء المقاومين، وِفق حويل.
لكنّ العنصر المهم – تبعًا لكلامه – في المقاومة الحالية هو أنّ مقاومي المخيم تجاوزوا الفصائلية ويعدّون أنفسهم كتلة وجسمًا موحدًا.