حالة هستيرية أصابت بعض كوادر وقيادات السلطة وحركة فتح بعد تصاعد المقاومة في الضفة الغربية، وفقدان الأجهزة الأمنية السيطرة نسبيًّا على نشاط المقاومة، وفشلهم في الحد من العمليات ضد الاحتلال، الأمر الذي أشعرهم (بالقلق والخوف) من الغضب الإسرائيلي، خشية فقدان الامتيازات والتسهيلات الخاصة، وأيضًا خشية من أن يؤدي تصاعد المقاومة إلى تهديد "مراكزهم ومواقعهم"، التي بنيت على حساب دماء وتضحيات الشعب الفلسطيني، وهذا ما دفع كثيرين منهم لمهاجمة المقاومين، والتقليل من شأن المقاومة، واعتبار أي عمل يحدث هو "تخريبي ومهدد" لوجود السلطة، فضلًا عن الإساءات المباشرة للشهداء وذويهم بصورة مقززة وغير لائقة.
وفي السياق ذاته تم وصف أمهات الشهداء وعلى لسان محافظ نابلس إبراهيم رمضان؛ بأنهن (أمهات شاذات) يرسلن أبناءهن للانتحار ثم يظهرن مناضلات، مضيفًا: "هذه ليست أمًّا، فالأم هي من تظهر الحنان والعطف والود"، وفق تعبيره، أو تصريحه لإحدى الإذاعات المحلية، الأمر الذي جلب حالة من السخط والغضب عليه من أمهات الشهداء وفصائل المقاومة ومختلف المكونات الوطنية وعموم جماهير شعبنا، والذين وصفوه بأنه خارج عن الإطار الوطني والأخلاقي، ومنحرف عن أي قيم نضالية، بل وأكثر من ذلك في وصفه بأنه هو "الشاذ" ويحاول الإساءة لأمهات الشهداء على الرغم من تورطه في مواقف عدائية ضد نشاط وأعمال المقاومة، مطالبين بإقالته من منصبه لخطورة تصريحاته الأخيرة.
التصريحات ذاتها تدعونا للتأمل قليلًا، وفهم في أي سياق تأتي، وتكشف لنا مدى "الانحراف الوطني والأخلاقي والقيمي" الذي وصل إليه بعض كوادر السلطة وحركة فتح في الضفة الغربية، والتي باعتقادي لم تكن مجرد تصريحات عابرة على لسان بعض القيادات بل هي نهج وقناعات راسخة، فهؤلاء لا يؤمنون بقدسية المقاومة ولا يرون في ذوي الشهداء "نبراس أو عنوان أو أيقونة" بل (مصدر قلق وإزعاج) دائم، لأن كل أم شهيد تقدم فدائيًّا جديدًا في الضفة الغربية أو القدس أو أي شبر من فلسطين تمثل صفارة إنذار ساخنة تهز عروشهم وتربك حساباتهم وتجعلهم في حالة ضغط نفسي عصيب، لأنه وبكل بساطة إذا ما استعادت المقاومة عافيتها وبسطت سيطرتها وفرضت معادلة جديدة في وجه الاحتلال، فإن هؤلاء سيكونون في موقف "صعب للغاية" من ناحية فقدان الامتيازات والمصالح وأكثر من ذلك في ضياع أو تبخر مشاريعهم الخاصة التي شيدت على مدار سنوات وأوصلتهم هم وعوائلهم (للثراء الفاحش) فضلًا عن أنهم قد يجدون أنفسهم تحت الملاحقة والمحاسبة.
لذلك فالأمر ليس غريبًا ولا مستهجنًا وما حدث مؤخرًا تكرر بصور مختلفة على لسان قيادات ورموز من السلطة وبعض قيادات حركة فتح وأبرزهم رئيس السلطة الذي هاجم وبشكل مقصود مرارًا المقاومة الفلسطينية وأساء في مناسبات مختلفة للشخصيات والكوادر الوطنية وسخر من تضحيات ونضالات شعبنا، بل وصل إلى حد التجريم في خطابات محلية ودولية، وهذا ما يؤكد ما ذهبنا إليه بأن ما يجري هو (نهج وقناعة راسخة) وليست فلتات لسان، أو تحريفًا واجتزاء لتصريحات وإخراجها عن سياقها، ولو كان محافظ نابلس يمتلك قدرًا يسيرًا من الوطنية لذهب فورًا إلى أمهات الشهداء في الضفة الغربية و"قبل أحذيتهن" لعلهن يغفرن له ما اقترف من خطيئة وطنية بل كارثة بكل المقاييس، خصوصًا أنها خرجت على لسان قيادي ومسؤول يتلقى راتبه من جيوب الشعب الفلسطيني ويتمتع بالأمان والحرية ويتنعم بالرفاهية على حساب تضحيات هؤلاء الشهداء وعذابات وآلام أمهات وعوائل الشهداء.
إن ردة فعل شعبنا وقواه الحية كانت أقوى وأبلغ رد على كل من تسول له نفسه المساس بقدسية المقاومة وبأمهات الشهداء، وفضحت هؤلاء المتسلطين على رقاب شعبنا، وأظهرت المسؤولية العالية والتضامن الكبير تجاه "أعظم وأطهر وأقدس" ظاهرة أو حالة عرفتها القضية الفلسطينية، وعليه: فإن أي عدوان أو تطاول لن يكون مقبولًا بأي صورة وشعبنا لن يتجاهل هذه الإساءات المتكررة، فإن كان هؤلاء اليوم يختبئون في المكاتب المحصنة وخلف حراساتهم المشددة ويطلقون هذه التصريحات وهم يشعرون بالأمان فكيف سيكون الحال غدًا إذا ما تبدل الحال؟! لذلك أنصحهم بتوخي الدقة والحذر الشديد حين الحديث عن المقاومة وأمهات الشهداء ونضالات شعبنا بشكل عام، فهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم وذاكرة شعبنا لا تنسى لهم هذه المواقف، وشعبنا يمكنه فعل الكثير ردًّا على هذه الإساءات المقززة وغير المقبولة.