في السادس من أكتوبر من عام ١٩٧٣م كانت ملحمة رفع فيها جيش مصر رأس العرب عاليا. مصر التي قررت القتال والهجوم في يوم الغفران اليهودي (السادس من أكتوبر) كانت على يقظة تامة لسنوات خلت، حتى جاء الوقت المناسب، حيث تكون غفلة العدو في أعلى مستوياتها، بعد أن خدعته مظاهر النصر الخاطف في حرب الأيام الستة في عام ١٩٦٧م.
كانت النكسة حدثا لا تنساه الذاكرة الفلسطينية والعربية، فقد سقطت غزة والضفة والقدس وأراضٍ عربية أخرى في شرك الاحتلال، وتفاخر الاحتلال وتعاظمت غطرسته، وحسب أن كل شيء قد انتهى لمصلحته، حتى كانت حرب أكتوبر قبل (٤٩) عاما، فقد أعادته لحجمه بشكل أو بآخر، ولقنته درسا لا تنساه القيادات السياسية والجنرالات العسكرية حتى تاريخه.
في بعض مقالات الرأي العبرية التي نُشرت في هذا الأسبوع بمناسبة أكتوبر تجد تحذيرات للقادة من هزيمة محتملة مثل هزيمة أكتوبر، لا في مواجهة جيش مصر، ولكن في مواجهة الفلسطينيين، أو في حالة حدوث حرب متعددة الجبهات.
حين انتصر ابن غوريون في عام ١٩٤٨م، وأعلن قيام الدولة، خاطب قواته قائلا: لا يظنَّنَّ أحد منكم أننا انتصرنا بقوتنا، نحن انتصرنا بتمزق العرب، لذا لا تذهبنَّ نشوة النصر بعقولكم ويقظتكم. وكانت هزيمة ١٩٦٧م للسبب نفسه، تمزق العرب، في حين كان نصر أكتوبر بسبب وحدة مصر وسوريا، وقرار المبادرة بالهجوم والضربة الأولى.
منذ أكتوبر ١٩٧٣م وحتى تاريخه، أي بعد (٤٩) عاما من ردّ مصر الاعتبار للدولة المصرية والعرب، جرت مياه كثيرة تحت جسر العلاقات المصرية الإسرائيلية، وما زالت غزة والقدس والضفة تحت الاحتلال، وما زال شعب فلسطين يقود النضال والكفاح ضد المحتل للحصول على حريته ودولته وحقه في تقرير المصير.
الشعب الفلسطيني لا ينسى النكسة، ولا ينسى نصر أكتوبر، ولا ينسى أرضه ووطنه السليب، ومن ثم فإن له عينًا على الوطن، وعينًا أخرى على عمقه العربي، ويرى أن العرب ينتظرون يوما مثل أكتوبر كما ينتظره الفلسطيني تماما، ومن الخطأ تعظيم مشاعر الإحباط من العرب، ففي الأمة خيرية متجددة لا تنضب، وسيكون لها دور فاعل إن شاء الله في الانتصار لله ثم لفلسطين، وعندها "سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون". إن درس أكتوبر وما به من أمل وتفاؤل سيبقى حيًّا بالرغم من سنوات الاحتلال الطويلة.