أدركت السلطة الفلسطينية بعد غليان نابلس في إثر اعتقال المقاوِم المطارد مصعب اشتية ورفيقه عميد طبيلة، وقتل المواطن فراس يعيش برصاصة من عناصرها خلال قمع متظاهرين في المدينة، أنها لا يوجد أمامها إلا خيار التواصل مع المقاومين المعروفين باسم "عرين الأسود" ومحاولة إقناعهم بتسليم أسلحتهم مقابل الحصول على وظائف في أجهزة أمن السلطة وضمان عدم ملاحقتهم من قوات الاحتلال.
تعيد هذه المساومة إلى الأذهان، اتفاق السلطة بما وصف بـ "العفو" من قبل الاحتلال عن 180 مقاتلا من كتائب شهداء الأقصى مقابل تسليم السلاح، وذلك عام 2007، والحصول على وظائف بأجهزة أمن السلطة، رغم أن الاتفاق -وفق مراقبين- لم يكن برغبة المقاومين بل جرى فرضه عبر حملات قاسية واشتباكات متتالية شنتها أجهزة أمن السلطة على مجموعات بالكتائب.
ورغم حدوث الاتفاق الذي أدرك المقاومون الذين سلموا أسلحتهم –فيما بعد- أنه كان اتفاقا خادعًا، فقط تعرض بعضهم للملاحقة والأسر وللاغتيال، بعضهم ما زالوا معتقلين لدى أجهزة أمن السلطة بحجة حمايتهم، والبعض الآخر أعاد الاحتلال أسره ولعل النموذج الأبرز هنا القيادي البارز في كتائب شهداء الأقصى زكريا الزبيدي.
هذه المعطيات كلها كانت سببا في رفض مجموعات "عرين الأسود" "للجزرة" التي مدتها السلطة بعدما فشلت في سياسة العصا والتهديد خشية تطور الأمور لأحداث تؤدي إلى ثورة.
يقول المتحدث باسم التيار الإصلاحي في حركة فتح عماد محسن: "الأصل أن تعزز السلطة والفصائل الحضور المتصدي للاحتلال، فالقصة ليست احتواء المناضلين عبر وظائف حكومية وانخراطهم بالوظيفة العامة، بقدر أن وجود الاحتلال يحتم وجود مناضلين يقاومونه وينبغي أن يكون هناك حاضنة حكومية لنضالاتهم"، مؤكدا أن الوظيفة لن تحول بين المقاومين وتنكيل الاحتلال بهم.
وأشار محسن إلى أنه سبق أن تم ضم العشرات من المناضلين الذين قاوموا الاحتلال بالضفة الغربية بعدما تسلم محمود عباس رئاسة السلطة، ولكن ما حدث هو أنه في أقرب فرصة اجتاحت قوات الاحتلال مخيمات الضفة؛ وقتلت وأسرت المقاومين، وبعضهم ما زال يمضي سنوات طويلة في سجون الاحتلال.
فشل سياسات السلطة
يعتقد الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف أن محاولة السلطة إنهاء ظاهرة المقاومين الذين يواجهون الاحتلال هي استمرار لعملها في التنسيق الأمني والوظيفة والمهمة المنوطة بها والتي قبلت بها وهي ردع المقاومين باعتقالهم او احتوائهم حين تفشل في القمع وبالتأكيد أمام عدم قدرتها أو فشلها في إنهاء هذه الظاهرة المقاومة، وفشل سلطات الاحتلال أيضا.
ويرى عساف في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن السلطة تمارس سياسة الجزرة بعد إخفاقها في قمع المقاومة، وهذا ما أكدته الأسابيع الأخيرة في نابلس وما نجم عن اعتقال المطارد مصعب اشتية وزميله عميد طبيلة واستشهاد فراس يعيش برصاص أمن السلطة وانتفاضة محافظة نابلس.
وأضاف: "كل ذلك أظهر عجز السلطة عن قمع المقاومين الذين التف حولهم مواطنو نابلس، من هنا تحاول السلطة اليوم أن تحتوي هذه الظاهرة وتفرغها من مضمون المقاومة كما فعلت قبل حوالي عقدين من الزمن، ومعروف ماذا كانت النتيجة؛ أن جزءا من هؤلاء لم يشفع لهم التحاقهم بأجهزة السلطة الأمنية وباعتبارهم جزءا من عناصرها من الملاحقة والاعتقال والقتل".
وربما كان نموذج الأسير زكريا الزبيدي المثال الأبرز لهذه الظاهرة، من هنا فإن شباب وعناصر المقاومة لا يلدغون من هذا الجحر مرتين، وعليه كان ردهم رفض عرض السلطة، وتمسكوا بخيارهم الذي اختاروه عن طيب خاطر وبقرار واعٍ، وهو خيار المقاومة ومعروف أن ثمن المقاومة دوما أقل ضررا من الاستسلام، وفق عساف.
وتابع: "يدرك هؤلاء أنهم لو سلموا أنفسهم للسلطة فإنها أولا عاجزة عن حمايتهم، ولنا فيما حصل مع القائد أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية، وغيره نموذجًا حين اختطفتهم (إسرائيل) رغم الضمانات الدولية والسلطوية وغيرها".
ولفت إلى أن المقاومين لا يريدون أن يلتحقوا بهذا الخيار الانهزامي، لأنهم يرون شعبهم وقدسهم وأرضهم تسلب من الاحتلال، ومن ثم قرروا التضحية من أجلها ويصرون ويدركون أنهم يواجهون الاحتلال ويدفعون ثمن تضحيتهم عن طيب خاطر ومن هنا يرفضون عرض السلطة لأنه يتناقض مع قناعاتهم.
يفسر عساف فشل السلطة في مساومة هؤلاء المقاومين، لأنها بسلوكها هذا تخدم سياسات الاحتلال لا أهداف الشعب وحقوقه، وهي اليوم أضعف مما كانت عليه قبل عقد ونصف، وغدت معزولة أكثر ولا يوثق بها من أبناء الشعب الفلسطيني.