بينما تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلية ارتكاب أبشع الجرائم في جنين بالضفة الغربية المحتلة تُواصل المقاومة بكل أشكالها مواجهةَ الاحتلال، لتعم جميع أرجاء الضفة الثائرة؛ للدفاع عن المسجد الأقصى المبارك من اقتحامات المستوطنين الذين يصولون ويجولون في باحاته الطاهرة بإقامة أعيادهم التلمودية، بهدف تدنيسه وتقسيمه زمانياً ومكانياً.
لقد انطلقت شرارة المقاومة المسلحة من جنين، التي ودعت يوم الأربعاء الماضي أربعة شهداء، في مجزرة يندى لها الجبين، ارتكبتها قوات الاحتلال في أثناء اقتحامها المخيم، وقد أبى المقاومون الأربعة إلا أن يدافعوا عن المخيم، ويتصدوا لقوات الاحتلال حتى الشهادة، وهذا إنما يدل على شجاعة وبسالة المقاومين، وهو رسالة للاحتلال أن المقاومة مستمرة وتشتد يوما بعد يوم بزخم كبير، فقد كانت تقدم شهيداً أو شهيدين في الفترات السابقة، واليوم أصبحت تقدم ثلة من الشهداء، فقدمت جنين أكثر من عشرة شهداء فقط خلال شهر سبتمبر الحالي، وهذه الأرقام المرتفعة من الشهداء تبشر بأن الضفة المحتلة أصبحت تسير باتجاه انتفاضة عارمة، تزامناً مع ذكرى انتفاضة الأقصى عام 2000، لنفس الأسباب والظروف، حين استفز المتطرف شارون مشاعر الفلسطينيين واقتحم المسجد الأقصى المبارك برفقة قوة كبيرة من جنوده، حينها هبَّ الشعب الفلسطيني للدفاع عنه، وقد أفشل مخطط التقسيم الزماني والمكاني.
كان هدف شارون تحقيق إنجاز سياسي في حينه، لكنه فشل كما فشل عسكريا في جنين، وقد انقلب السحر على الساحر، وأصبحت جنين أيقونة المقاومة، التي استمرت حتى دحره والتخلص منه، والتاريخ يعيد نفسه، إذ يتصارع ويتنافس قادة الاحتلال السياسيون والعسكريون على دماء الفلسطينيين، لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية تُحسب لكل منهم في التحضير للانتخابات المقبلة الخامسة على التوالي.
لا شك أن رابطاً قوياً بين الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة، والتحذيرات التي يبثها الاحتلال من عملية عسكرية كبيرة قد تُنفذها قواته الصهيونية في شمال الضفة، على غرار مجزرة جنين التي ارتكبها شارون في عام 2002، خاصة أن المستوى السياسي الإسرائيلي تلتقي مصلحته مع رغبة رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي الذي يقترب من مغادرة منصبه في تنفيذ عملية واسعة في شمال الضفة، تكون "استعراضية منخفضة التكاليف من ناحية الخسائر في الجانب الإسرائيلي"، باستعمال القصف الجوي كما يفعل في غزة، يستثمرها لابيد في معركته الانتخابية، وتكون مقدمة لكوخافي الذي يتطلع لدخول الحياة السياسية، كما فعل سلفه بيني غانتس الذي ارتكز في دعايته الانتخابية قبل سنوات على عدد الشهداء الفلسطينيين الذين قتلهم جيشه في الحرب على غزة.
واضح أن الاحتلال ضعف كثيراً أمام صمود المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، فأصبح فاقد السيطرة تماما وهو في حالة هستيرية، لذا لجأ إلى ضخ الأنباء بهذا الشكل عن اجتياح محتمل لنابلس وجنين، معتقداً أنه وسيلة ناجحة لردع المقاومين، لكنه تفاجأ بمقاومة شرسة. لم يتعلم لابيد وغانتس وكوخافي على ما يبدو من درس أستاذهم شارون، أن المعارك الانتخابية للأحزاب الصهيونية على حساب الفلسطينيين قد ثبت فشلها، وهكذا فشلت أربع حكومات للاحتلال شُكلت على مدار السنوات الأربع الأخيرة.