فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

"هند رجب" تحوَّل رحلة استجمام لضابط "إسرائيليّ" إلى مطاردة قانونيَّة بقبرص.. ما القصَّة؟

ترامب وإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمشرق العربي

بخيام مهترئة.. النَّازحون في غزَّة يواجهون بردِّ الشِّتاء والمنخفض الجوِّيِّ

تقارير عبريَّة: هكذا هزمتنا فلسطين إعلاميًّا.. وأبو شمالة يعلِّق: الاعتراف نتاج للواقع الميدانيِّ بغزَّة

دبلوماسيّ سابق لـ "فلسطين أون لاين": استمرار الحرب على غزَّة يساهم في شلِّ قدرة الاحتلال

أوقعتْ 20 قتيلًا.. الداخليَّة بغزّة توضح تفاصيل حملةً ضد عصابات سرقة شاحنات المُساعدات

إنَّهم يألمون.. حزب اللَّه يكشف عن مصير ضبَّاط إسرائيليِّين توغَّلوا في لبنان (فيديو)

"ملحمةُ الطُّوفان".. القسّام تبث مشاهد لمخلفات جنود قتلى وبدلة ملطخة بالدماء في معارك شمال غزّة

تعذيب عبر "فتحة الزنزانة".. شهادات جديدة لأسرى من غزَّة يكشفون كيف تفنَّن الاحتلال في تعذيبهم

ضيف غير مرحَّب به بملاعب أوروبَّا.. هزائم رياضيَّة بأبعاد سياسيَّة لـ (إسرائيل)

مواطنون وصحفيون يروُون مشاهد من العدوان

تقرير اقتحام جنين.. الأطفال لم يسلموا من بطش جيش الاحتلال

...
الأطفال لم يسلموا من بطش الاحتلال في اقتحام جنين
جنين – غزة/ يحيى اليعقوبي:

على صوت انفجار كبير هزَّ مخيم "جنين" مع ساعات الصباح الأولى، أول من أمس، استيقظ المواطن فادي وشاحي من نومه فزعًا، على وقع انفجار تلاه أصوات رصاص كثيف من جراء عدوان قوات جيش الاحتلال المقتحمة الذي استمر ثلاث ساعات متواصلة، وصله أيضًا أصوات صراخ وبكاء طالبات مدرستي "الزهراء" الابتدائية والإعدادية القريبتين من منزله، بعدما حوّل الاحتلال المخيم لساحة حرب.

همَّ وشاحي للخروج من منزله الواقع على مدخل المخيم، للذهاب للمدرسة لإحضار ابنتيه اللتين تدرسان بالمرحلة الابتدائية وكذلك ابنه بنفس المرحلة من مدرسة أبعد قليلًا، فهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها الاقتحام وأولاده خارج المنزل، إذ تتم معظم الاقتحامات ليلًا وليس في وضح النهار، لكنه تفاجأ بوجود جرافة وخمس مركبات عسكرية إسرائيلية أمام منزله، فرضت منعًا للتجول في مكان الاقتحام.

"بقيتُ قلِقًا على أولادي طوال مدة الاقتحام على مدار ساعةٍ ونصف قبل أن ينسحبوا جزئيًّا من منطقتنا، لكنهم ظلوا موجودين في أماكن أخرى من المخيم".. يروي وشاحي لصحيفة "فلسطين" تفاصيل يوم دموي عاشه خلال الاقتحام.

لكن ما عاشته طفلتاه كان أصعب، ينقل ما نقلتاه له بعد عودتهنّ من المدرسة: "عادتا بحالة خوف شديد، لكون أصوات الرصاص كانت قريبة، وأصبحت نوافذ الفصول غير آمنة، أُغميَ على بعض الطالبات، حتى بائعة المقصف المدرسي أُغمي عليها ودخل الإسعاف لنقلها للمشفى؛ ما أثّر في الحالة النفسية للطالبات من شدة الانفجارات، ودخلت الطالبات في حالة ارتباك، وفي نفس الوقت لا تستطيع المعلمات إخراجهنّ لبيوتهنّ حفاظًا على حياتهن".

وإن استطاعت المعلمات السيطرة نوعًا ما على مشاعر طالبات المرحلتين الإعدادية والابتدائية، كانت منى جلامنة (29 عامًا) وهي مديرة روضة "التفوق" الروضة الوحيدة بالمخيم، أمام واحدٍ من "أصعب الأيام التي مرت عليها" كما تصفها بعدِّها مديرة روضة لأطفال أعمارهم ما بين ثلاث إلى خمس سنوات.

ما زال التأثر بما جرى يُحكم قبضته على صوت جلامنة وهي تعيد رسم اللحظات الأولى للحدث لصحيفة "فلسطين": "دائمًا صوت الرصاص والاقتحامات تحدث والأطفال في بيوتهم نائمين بين أهلهم، لكنّ الروضة التي يُفترض أن تكون مركز أمان لهم لم تكن آمنة من الرصاص القريب لحظة بدء العدوان الإسرائيلي نهارًا".

حاولت جلامنة، إخفاء مخاوفها ورسم تعبيرات وابتسامات غير حقيقية أمام أطفال الروضة، تحاول بها السيطرة على مخاوفهم، حتى تهادت إليها فكرة اعتادها الأطفال، يبتسم صوتها مردفة على غرابة الفكرة مع مرارة الواقع الذي فرض استحضارها: "قلت لهم هذا "عرس" لكونهم يعتادون سماع أصوات الرصاص في الأعراس".

بينما انشغل الأطفال بالتفكير بشكل العرس وهدأت مخاوفهم وسكنت نبضات قلوبهم، وجفّت دموعهم، كان على جلامنة اتخاذ خطوة أخرى تحافظ على حياة الأطفال، "نقلتهم لغرفة في وسط الروضة بعيدة عن النوافذ خشية من أن تأتي رصاصة طائشة، فالنوافذ لم تعد آمنة".

كانت أصوات رصاص العدوان قريبة من آذان الأطفال، لكن لحسن حظّ جلامنة نجحت فكرتها نوعًا ما بضبط الفوضى، وبعدما انسحبت قوات الاحتلال المقتحمة من المخيم، كانت أمام المحطة الأخيرة في تأمين الطلبة، "لديّ 50 طالبًا، وأربع مُدرّسات، كنت أصطحب كل طفل بمفرده وأسير بين الزقاق خوفًا من وجود قناصة رغم تأكدي من انسحاب الجنود بالكامل، وأُسلّمه لأهله، أو أصطحبهم في مجموعة إذا كانوا قريبين من نفس البيوت، علمًا بأنّ روضتي هي الوحيدة بالمخيم وقريبة من البيوت، وأنشأتها ليس لأجل الربح وإنما لخدمة المخيم بأجر رمزي حتى تستمر المسيرة التعليمية فيه".

الساعة الثالثة انتهت جلامنة من جولاتها المكوكية بين منازل المخيم والروضة وهي توصل الأطفال لمنازلهم، يبتسم صوتها مرة أخرى عن رواية الأطفال لعائلاتهم عن العدوان، "قالوا لهم ما أحلى العرس، قديش طخوا فيه".

بينما كان الأطفال يُحدّثون عائلاتهم عن ذلك العرس التي خيّلته إليهم معلمتهم، كانت جنين في الخارج تزفُّ أبطالها الشهداء الأربعة في عرس مهيب، خرج فيه الآلاف من الأهالي، في حين استقبلت المستشفيات نحو 44 إصابة، كانت معظمها بالأجزاء العلوية حسب إفادة المصادر الطبية.

لم يُرهب الاحتلال خلال اقتحامه الأطفال فقط، فالصحفيون والمواطنون والتجار وكل شيء في جنين كان تحت طائلة الاستهداف، محمد عابد وهو مصور صحفي ميداني في جنين، يروي لصحيفة "فلسطين" مشاهد مما عايشه من كثب: "امتد انتشار جيش الاحتلال في أماكن واسعة في المخيم، فانحصر وجودنا -الصحفيين- ما بين المستشفى الحكومي ومدخل المخيم، ولم نتحرك كثيرًا خوفًا من رصاص القناصة كما فعلوا بالصحفية بقناة "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة".

وثقت عينا عابد مشاهد لم تستطع كاميرته التقاطها لكونها حدثت مفاجأة في أجزاء من الثانية، كلحظة استهداف المقاوم أحمد علاونة برصاصة قناص، يتحرك مشهد الاقتحام أمامه مرة أخرى: "كان اليوم داميًا، في الأجواء في الخارج صعبة، استخدم الاحتلال طائرة مروحية حربية لأول مرة منذ عام 2002، وطائرات استطلاع، على الأرض اقتحم المخيم ثلاثون آلية عسكرية، قناصة اعتلت البيوت، المحال التجارية أغلقت، أصوات الرصاص والاستهدافات أثارت الرعب في نفوس الأهالي، حالة غليان عمّت المخيم حزنًا على الشهداء".

دارت الاشتباكات في محيط مستشفيات صحية كمستشفى ابن سينا، والمستشفى الحكومي، ومركز الشفاء الطبي، ورياض أطفال وعدد من المدارس الحكومية ومدرسة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وأحدث العدوان أضرارا جسيمة ببعض الممتلكات، لكن الضرر الأكبر كان باستهداف الإنسان وإطلاق الرصاص على المارة، كما حدث مع الشهيد محمد أبو ناعسة وهو موظف بنكي استهدفه الاحتلال في أثناء عودته من عمله في أحد البنوك، فارتقى شهيدًا، ليسجل الاحتلال واحدًا من أبشع أيام عدوانه على جنين.