فلسطين أون لاين

الاحتلال يخشى انخراط أفراد من أمن السلطة في المقاومة

تقرير في "بيت السلطة".. تمردٌ متصاعدٌ على عقيدة "دايتون"

...
الشهيد أحمد عابد - أرشيف
رام الله-غزة/ يحيى اليعقوبي:

أعاد الشهيد أحمد عابد (23 عامًا) الأذهان لبطولات سطرها أفراد في أجهزة أمن السلطة الذين انخرطوا في الانتفاضة الثانية وخاضوا ملاحم في مقاومة الاحتلال، أمثال الشهيدين: الضابط بالمخابرات العامّة رائد الكرمي، ومدرّب قوات الأمن الوطني يوسف ريحان "أبو جندل". 

دار أحمد باتجاه معاكس لأجهزة أمنية ترفض مواجهة الاحتلال ونفذ عملية برفقة ابن خالته عبد الرحمن عابد فجر الأربعاء 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، باشتباك مع قوات الاحتلال في محيط حاجز الجلمة شمال جنين أسفر عن مقتل ضابط إسرائيلي وارتقاء الشهيدين، ليتخلخل إرث الجنرال الأمريكي "كيث دايتون" الذي حاول تدجين تلك الأجهزة وبناء عقيدة تعمل على التنسيق الأمني وملاحقة المقاومة، لكن التمرد بدأ يطل برأسه من "بيت السلطة". 

بعد نحو أسبوعين من بطولة عابد، عاد الشهيد الضابط أحمد علاونة أحد عناصر جهاز الاستخبارات العسكرية -وهو نفس الجهاز الذي عمل فيه الشهيد عابد – لتأكيد الدور الطبيعي المطلوب فعله من الأجهزة الأمنية، حينما امتشق سلاحه أمس وتصدى لقوات الاحتلال في أثناء اقتحامها مخيم جنين، فارتقى شهيدًا خلال الاشتباكات برصاصة قناص إسرائيلي.

ألهم الشهيد إبراهيم النابلسي قائد شهداء الأقصى في نابلس الشباب حينما بعث برسالة أوصاهم فيها بعدم ترك البندقية، وسبقه رعد خازم منفذ عملية ديزنغوف في (تل أبيب) وهو ابن العميد في "الأمن الوطني" فتحي خازم، الذي أصبح من أبرز المطلوبين للاحتلال.

بالأمس قدم العقيد خازم الذي بات "أيقونة للمقاومة" ابنه الثاني عبد الرحمن شهيدًا خلال محاصرة منزله من قوات إسرائيلية كبيرة اقتحمت مخيم جنين وارتقى عبد الرحمن خلال الاشتباكات، يتناقل ميراث المقاومة من الأب إلى أبنائه فيحيدون عن طريق أجهزة أمنية رسمت طريقًا في العلاقة مع الاحتلال عبر التنسيق الأمني، خالفته عائلة خازم التي سارت في طريقها نحو القدس مشهرةً السلاح في وجه الاحتلال.

ومع أنّ مشاركة أفراد بأمن السلطة بأعمال مقاومة محدودة حاليًّا، كما يرى ناشطون ومحللون لصحيفة "فلسطين"، فإنّ تصاعدها يؤشر على حجم الإحباط العام لدى نسبة كبيرة من قطاعات الشعب من فشل المشروع السياسي وانعدام الأمن أمام تغول الاحتلال.

نهج متصاعد

يقول عضو المجلس الثوري بفتح جمال حويل، إنه جرى منح فرصة كبيرة لخيار المفاوضات مع الاحتلال، لكن هامش من يؤمن بالكفاح المسلح يزداد داخل فتح.

وأضاف حويل وهو مقرب من القيادي بفتح الأسير مروان البرغوثي لصحيفة "فلسطين"، أنّ الاحتلال يريد من العلاقة مع السلطة أن تكون الأخيرة وكيلًا أمنيًّا له، وهذا ما لا يقبل به الشرفاء بالأجهزة الأمنية.

ومع جهد الجنرال الأمريكي "دايتون" في بناء أجهزة أمنية تنسق أمنيًّا مع الاحتلال، فإنّ حويل يؤكد أنّ خيرة أبناء الأجهزة الأمنية يتمردون على تلك العقيدة.

ويوضح حويل أنّ انخراط أفراد من أجهزة أمن السلطة بالعمليات يعني أنه "طفح الكيل"، ولا يمكن لأي بشر الصمت على جرائم الاحتلال، مشددًا على ضرورة إعادة المكانة لحركة التحرر للشعب الفلسطيني الذي لا يريد سلطة وهمية.

تخوفات إسرائيلية

وتزداد تخوفات الاحتلال من زيادة انخراط أفراد من السلطة في أعمال مقاومة، إذ اتهم رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي، مؤخرًا، أمن السلطة بالعجز أمام تزايد الهجمات في الضفة الغربية المحتلة، متوعدًا باستمرار مداهمة مدنها وبلداتها.

ويفسر المختص بالشأن الإسرائيلي أيمن الرفاتي القلق الإسرائيلي بأنه ناتج عن تحولات مهمة لدى السلطة وحركة فتح، في ظل وجود خطين داخل الحركة فما ينساق على فتح ينساق على الأجهزة الأمنية التابعة لها، بأن الطريق السياسي الذي يسير به رئيس السلطة محمود عباس وأتباعه خاطئ ولا يمكن الاستمرار فيه، مع زيادة الفريق الذي ينادي بالمقاومة.

ويرى الرفاتي في حديثه لـ"فلسطين" أنّ هذا الانخراط يعني فشل مشروع استمر عشرات السنوات لتدجين الأجهزة وجعلها أداة تعمل للاحتلال.

ويربط بين عجز التنسيق الأمني بشمال الضفة وتصاعد المقاومة في مدن جنين ونابلس، بأنّ الطبيعة الجغرافية والاجتماعية والسكانية ساعدت المقاومة على التجاوز الجزئي للتنسيق الأمني، فبات لا يستطيع السيطرة على المقاومة.

ولا يختلف أحد في أنّ موقف السلطة واضح برفض أي انخراط لأي فرد في صفوفها بأعمال مقاومة، وهذا يرجع نتيجته وفق الناشط السياسي زياد عمرو لأنّ السلطة مرتبطة باتفاقيات مع الاحتلال، تجعل وظيفتها تنحصر في التنسيق الأمني ومنع أعمال المقاومة. 

ويعزو عمرو لصحيفة "فلسطين" أسباب هذا التصاعد، إلى شعورهم بالغربة في أجهزتهم، وفي ظل غياب برنامج وطني لمواجهة اعتداءات الاحتلال، وعزوف تلك الأجهزة عن دعم خيارات المواجهة.

ويرى أنّ تأثير انخراط أفراد من الأجهزة الأمنية كبير في رفع الروح المعنوية للشباب، وكذلك في إلهام عناصر آخرين للمشاركة في الأعمال نفسها.