فلسطين أون لاين

صد أسطوري لاقتحامات المستوطنين منذ عام النكسة 

تقرير "هبَّات" الدفاع عن الأقصى.. التاريخ لا يخون أبطاله

...
هذا مكاني وزماني
القدس المحتلة-غزة/ فاطمة الزهراء العويني: 

تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 اختلاق موطِئ قدم للمستوطنين في المسجد الأقصى، سعياً لتنفيذ مخططها بهدمه وإقامة "الهيكل المزعوم" مكانه. 

الاقتحامات المتكررة من المستوطنين في مقدمة تلك الإجراءات، وبالرغم من أن الاحتلال فرضها بمنطق القوة فإن المقدسيين جابهوها بكل ما استطاعوا من قوة ضمن عدة "هبّات" لا ينساها التاريخ لهم. 

منذ عهد "النكسة" 

أول الاقتحامات الصهيونية للمسجد المبارك بدأها الجنرال الإسرائيلي "مردخاي جور" وجنوده عام 1967م، حين رفع علم الاحتلال فوق قبة الصخرة، وأحرق المصاحف، ومنع الصلاة بالمسجد لمدة أسبوع كامل.

استولت سلطات الاحتلال وقتها على مفاتيح باب المغاربة، ومنعت الفلسطينيين من المرور منه، وأبقته مخصصاً لاقتحامات المستوطنين، وجنود الاحتلال الإسرائيلي، بأعدادهم الكبيرة. 

وبالرغم من إقرار (إسرائيل) مسؤولية دائرة الأوقاف الإسلامية عن إدارة شؤون المسجد الأقصى، في ذلك الوقت، والاستمرار بالوضع التاريخي والقانوني القائم فيه منذ العهد العثماني، فإنها غضّت الطرف عن محاولات المستوطنين المتكررة لاقتحامه. 

وفي عام 1976م أصدرت قاضية في المحكمة المركزية للاحتلال قراراً يعطي اليهود أحقيةً في الصلاة داخل المسجد الأقصى، ما شجع الجماعات الاستيطانية على اقتحامه مجددًا تحت مظلة القرار، وهنا قادت المحاولات الأولى جماعة "غرشون سلمون" عام 1979م، التي لاقت مجابهةً حامية الوطيس من المصلين الفلسطينيين هناك. 

رغم ذلك، لم تفتأ تلك الجماعات تكرر اقتحاماتها بين الأعوام "1981 – 1989" بقيادة منظمة "أمناء جبل الهيكل" المزعوم، التي أسفر أحدها عن استشهاد فلسطينيين نتيجة إطلاق أحد الجنود النار بداخل المسجد. 

ومن الأحداث خلال الفترة المذكورة، اعتقال شرطة الاحتلال أحد نشطاء حركة "كاخ" المحظورة، بتهمة التخطيط لنسف مصلى قبة الصخرة، إلى أن سمحت شرطة الاحتلال في عام 1989م لأول مرة بصورة رسمية، بإقامة الصلوات التلمودية على أبواب المسجد الأقصى. 

دعم سياسي للاقتحامات 

كل تلك الاقتحامات، جوبهت بـ"هبات" وانتفاضات" فلسطينية كان من ضمنها تصدي المقدسيين في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1990م، لمحاولة متطرفين يهود وضع حجر الأساس لما يسمى "الهيكل الثالث" في ساحة المسجد الأقصى، تحت غطاء كثيف من الرصاص الذي أطلقه جنود الاحتلال وأسفر عن ارتقاء 21 شهيدًا مقدسيًا، وإصابة 150 آخرين. 

وفي الثالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر عام 1996م أعلنت سلطات الاحتلال فتح نفق مجاور للجدار الغربي للمسجد الأقصى، فاندلعت مواجهات عنيفة في عموم الأراضي الفلسطينية أُطلق عليها اسم "هبة النفق"، التي أدت إلى استشهاد 51 مواطناً وإصابة نحو 300 آخرين. 

وبلغت الأحداث ذروتها باقتحام رئيس وزراء الاحتلال آنذاك أريئيل شارون للأقصى عام 2000م، وارتكاب جيش الاحتلال مجزرة فيه قادت لاندلاع "انتفاضة الأقصى" التي استمرت عدة سنوات. 

وفي إثر هذا الاقتحام أوقفت دائرة الأوقاف الإسلامية برنامج زيارات غير المسلمين إلى المسجد، ولكن في أبريل/ نيسان 2003، اتخذت حكومة الاحتلال قراراً أحادي الجانب بفتحه أمام اقتحامات المستوطنين. 

وتقدم نواب في "الكنيست" عام 2014 م بمشروعيْ قانونيْن: الأول يدعو لسحب الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية، والثاني يتعلق بالتقسيم الزماني والمكاني للمسجد. 

وفي عام 2015م انطلقت "انتفاضة القدس" أو "انتفاضة السكاكين" في إثر إيغال حكومة الاحتلال في إجراءاتها التهويدية ضد "الأقصى" بتنفيذ جولات اقتحامٍ استفزازية في أرجائه، واعتداء شرطة الاحتلال على المصلين بالضرب بعد تصدّيهم لمحاولات اقتحامه في عيد “الفصح اليهودي"، فانطلقت هجمات فدائية ضد الإسرائيليين بالسكاكين، خاصة في مدينة القدس. 

ولكن المستوى السياسي للاحتلال لم يتراجع عن دعمه لكل إجراءات التقسيم في "الأقصى"، فقد سمحت شرطة الاحتلال للمستوطنين في ديسمبر 2016م، للمستوطنين باقتحامه حفاة الأقدام وبلباس المتدينين. 

ولم تلبث أن عادت الأوضاع للاشتعال في 2017م في إثر معاودة الاحتلال اقتحام الأقصى بشكل واسع، وإغلاقه في 15 يوليو من العام ذاته، ومنع إقامة صلاة الجمعة فيه للمرة الأولى منذ عام 1969م. 

وفي الأول من يوليو من نفس العام، ركب الاحتلال بوابات إلكترونية وحواجز حديدية على مداخل الأقصى، وهو ما رفضه المقدسيون وأصروا على عدم الدخول للمسجد في ظل وجودها، فاستمروا معتصمين على مدار 11 يومًا على بوابات الأقصى، وأطلق على الهبة اسم "هبة البوابات"، وهو ما دفع الاحتلال للرضوخ حتى إزالتها تمامًا. 

وواصلت قوات الاحتلال فيما بعد الاقتحامات المتكررة للأقصى، والاعتداء على المصلين، وطواقم الأوقاف، واستغلت "جائحة كورونا" في تقييد وصول المقدسيين له، حيث أغلقته في عام 2020م سبعين يوماً، في حين في عام 2021م، سمحت ما تسمى "محكمة الصلح" الإسرائيلية بما يعرف لدى المستوطنين بـ"الصلاة الصامتة" داخل المسجد. 

وفي العام الماضي، تحديدًا في العاشر من مايو انطلقت معركة "سيف القدس" التي تمثلت برد المقاومة الفلسطينية بغزة على محاولة الاحتلال تهجير سكان الشيخ جراح، والاقتحامات واسعة النطاق لـ"الأقصى"، وكرست تلك المعركة فكرة أن المقدسيين لن يكونوا وحدهم في مواجهة أي مساس بالوضع القائم في القدس. 

"سيف القدس" 

وفي 22 مايو/ أيار 2022، أصدرت ما تسمى "محكمة الصلح" الإسرائيلية في القدس، حكماً أولياً بالسماح للمستوطنين بأداء صلواتهم التلمودية بـ"صوت عالٍ"، وممارسة ما يشبه الركوع في أثناء اقتحامهم باحات المسجد. 

ويبين رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي، أن الاعتداء على الأقصى واقتحامه سبب كبير ومؤثر في مجريات الأحداث، ليس فقط في القدس، بل في كل فلسطين.  

ويقول لـ"فلسطين": "الاحتلال يكثف تلك الاقتحامات، وخاصة في مواسم الأعياد اليهودية، في محاولة لبناء أمر واقع جديد في المسجد، وإفقاده قدسيته وهويته الإسلامية على مر القرون"، منبهاً إلى أنه ما زال يتوعد باقتحامات شرسة وكبيرة للأقصى، سيكون لها الأثر الكبير في صورة وواقع المسجد، سعياً نحو التقسيم الزماني والمكاني له. 

واستدرك بالقول: "لكن الهبات الشعبية الفلسطينية على مر السنوات الفائتة، أثبتت أن الأقصى بالنسبة للفلسطينيين، ليس مجرد مسجد، بل يتعدى ذلك بكثير، فهو جزء مهم من هوية الشعب، ورؤيته وثباته داخل فلسطين عامة والقدس خاصة". 

وأَضاف: "لقد أثبت المقدسي خصوصاً، والفلسطيني عموما أن أعلى وسام يمكن أن يحصل عليه هو التضحية في سبيل الأقصى، سواء بأن يكون جريحاً أو مبعداً أو شهيداً في سبيل حمايته"، لافتاً إلى أن المسجد الأقصى يوحد الفلسطينيين على مر العصور بعيداً عن اختلاف أطيافهم السياسية، ودياناتهم. 

وختم بالقول: "الهبات الفلسطينية دفاعاً عن الأقصى أخرت مساعي الاحتلال في السيطرة على حرمه، وأحبطت الكثير من مخططاته في هذا الاتجاه، والمطلوب اليوم الحشد شعبيا ورسميا باتجاه هذه الفكرة لردع أي خطر يمكن أن يلحق بأرض أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين".