يعتبر التصعيد الإسرائيلي بحق الفلسطينيين مؤخرا من أوسع الممارسات التي تنفذها قوات الاحتلال منذ سنوات، فالقتل بدم بارد والهدم والعقوبات الجماعية ومصادرة الأراضي وقطع الزيتون ومنع البناء والسفر وفرض الإغلاق الشامل بأكثر من ٥٠٠ حاجز وبرج عسكري وبوابة حديدية، والاستعداد لخطة الضم، وتشريد البدو في الأغوار، وهجمة شرسة غير مسبوقة بحق المسجد الأقصى المبارك وأهل القدس، إضافةً إلى ما يجري من تنكيل بأهالي الداخل المحتل عام ١٩٤٨ والنقب، والإجراءات التعسفية والمتعمدة على جسر الأردن المنفذ الوحيد لأهالي الضفة لخارج فلسطين، ومجزرة السيادة المتهالكة يوميا على وقع رصاص الاغتيال والطائرات دون طيار التي تستمر في عمليات أطلقوا عليها كاسر الأمواج، وعربدة المستوطنين التي لم تبق مجالا للتفكير بمنطق الخطاب أو حتى الحياد والصمت.
هنا وفي ظل هذه المأساة التي خلفتها أوسلو وفي ذكراها يأتي مهرجان الخطابات في الأمم المتحدة، ليكون هذا المخدر السنوي مضادا يجمل بشاعة المشهد وسيادة وهمية لا تحكم حتى على حاجز أن يزال أو على زيتونة تقطف دون دم أو تعثر.
مصيبة هي التي يعيشها شعب فلسطين الذي يرقب بعيون حزينة مأساة أسير يواجه أصعب لحظات حياته بمرض وإهمال طبي وأمه المكلومة يحاول المذبذبون أن يستثمروا صرختها كي تكون إسناداً لوهم سيادة أو مهرجان وخطاب.
تكمن الكارثة في مشهد آخر، هناك في نابلس حيث يسال الدم على يد أمن السلطة الفلسطينية فقط لأن المقاومة وجمهورها ممنوعون في قاموس أوسلو حتى وإن كان لونها أصفر، ناهيك عن الأخضر والأحمر والأسود، تحدثك أم شهيد ضابط في الأجهزة الأمنية نفذ عملية إطلاق نار وأصاب جنودا؛ تحدثك بمرارة مستنجدة بكل أحرار العالم مساعدتها على استرداد جثمان ابنها فتقول "ذهبت للعقيد المسؤول عن ابني فقال لي بالحرف الواحد الله يرحمه بلال، ولكنه أحرجنا كثيرا مع الجانب الآخر".
نعم الجانب الآخر الذي يقتل ويسرق ويجرم كل يوم لا يريد أن يحرج معه ذاك العقيد ولا أي مسؤول؛ حتى لو وصل الأمر بفلتان واغتيال ومهاجمة الناس في الشوارع بالرصاص والغاز والعربدة.
وهم الخطاب تفنده سياسة الميدان؛ فلا وحدة وطنية تمت ولا حضن للمقاومة وظهر كانت، ولا احترام لحقوق إنسان أو بروتوكول ديمقراطية أو تداول للسلطة أو حتى ثورية تجددت، فقط تكرار للمشهد وتركيز على منطق المعبد وهرولة مسكين أجبره الزمن أن يصفق لسراب في شمس ساطعة كي يقال وها هي الشرعية تجدد.
وليس آخرا من هزلية المشهد في صورة الشاشة فتاة تضرب ببنادق محتل على باب المسجد الأقصى وشهيد يغتال في نابلس وآخر بيت عزائه في بيت إجزا شمال غرب القدس، والخبر بنصف الشاشة الأخرى تهنئة من خطب ولام وهدد قبل أيام؛ يهنئ اليوم وزير حرب مجرم بأعياد من أجلها ارتقى شهداء ويُتّم أطفال وتضاعف الحصار والإغلاق والهدم والتفتيش المشدد.
وماذا بعد وفي ظل انفصام يحاول البعض أن يترجم إنسانيته بمناشدة لإطلاق أسير يموت لا يرقى حتى لوقف تنسيق أو تلويح بإجراء، سيلتحق بمن قبله وإلى ثلاجة سيقاد جثمانه، وهناك في بيت العزاء يتكرر الخطاب من تلميذ جديد يتقن التخدير والتمرير ولا يبالي بالمصاب، وهمه سيكون دوما ألا يحرج الجانب الآخر عمليا وإن تجاوز حده الخطاب، فالكلام لا ضريبة عليه تدفع وأما الميدان لا يبقى فيه من لا يدفع.