أيها السائرون والسالكون والراجون والمتأملون بربّكم العظيم أن يكون لكم حظ في السماء عنده، وأن يكون لكم مستقبل مشرق عنده، وأن يكون لكم مقعد صدق، وأن تكون لكم السعادة الكاملة في الحياة السرمدية كاملة السعادة، وأن تكونوا من الذين يعبرون دنياهم الفانية بسلام إلى حيث الدار الباقية الخالدة، اعلموا أنه لن يكون لكم كلّ هذا إلا من خلالي، أنا بوّابة السماء لنبيّكم فقد أذن الله له أن يعرج إلى السماوات العلى ولم يكن ذلك إلا أن يمرّ بي وينطلق من رحابي، لذلك إياكم أن تأملوا بحياتكم السماوية إلا أن تعطوا المسجد الأقصى حقّه وترفعوا من شأنه وأن تنزلوه في قلوبكم وفي دائرة اهتماماتكم وعلى جدول أعمالكم التي تليق بي، واعلموا رحمكم الله أن منزلتكم عند ربكم ستكون على قدر المنزلة التي تحظى بها قدسكم في حياتكم.
واعلموا أن هذه المنزلة في الدنيا أيضًا قبل الآخرة إذ ما عزّ المسلمون وارتفعوا بين الأمم وارتقوا في السلّم الحضاري إلا بعد أن يرفعوا من شأن القدس ويحفظوا لها مجدها وعزّها، فإن هانت في نفوسهم وفرطوا فيها هانوا، وعلا عليهم أخسّ أهل الأرض وأهونهم على الله، انظر ما جرى مع أمة الإسلام هذه الأيام، فرّطوا في قدسهم ومسجدهم فهانوا على الناس وانحطت بهم أحوالهم وأوضاعهم، هذه معادلة صحّ قوامها واعتدل ميزانها على مرّ التاريخ إلى يومنا هذا، لن يكون لكم شأن بين الأمم إلا بمقدار ما نعيد للأقصى اعتباره ونحفظ له مكانته، ليس بمشاعر قلبية جيّاشة وإنما حينما تجيّش الجيوش والشعوب في نصرة الأمم، لست حالمًا في حركة جيوشنا العربية والإسلامية هذه الأيام بما لديها من ارتباطات مشبوهة وخارجية، وإنما حلمي بحركة شعوبنا الحيّة النابضة قلوبهم بحبّ الأقصى، أن ترتفع مكانتي في قلوبهم فيتحوّل ذلك إلى برنامج عمل دؤوب في حياتهم وحركة شارعهم.
لستُ مجرّد فكرة عابرة أو حتى قناعة مركونة في زاوية من زوايا العقل، بل أنا فكرة حيّة وقناعة راسخة وإرادة فاعلة، أو هكذا ينبغي أن أكون محورًا أساسيًّا في ثقافة مجتمعاتنا وعشقًا خالدًا عميقًا في قلوب الناس، وترجمة عملية تصل إلى دائرة الفعل المحرّك لكلّ طاقات الأمّة، إذا أصبحت هكذا فحتمًا سيتحوّل العشق إلى تنظيم ورؤية، إلى برنامج عمل يشعل الفكرة ويلهب الروح ويفعل الفعل المؤثّر على صنّاع القرار.
واعلموا -رحمنا الله وإياكم- أنه ما كان لشرذمة من شذّاذ الآفاق أن تقتحم المسجد الأقصى نهارًا جهارًا وتحت أعين الكاميرات التي توصل الصور إلى كل الآفاق، ثم نرى الشارع العربي والإسلامي نائمًا يغطّ في سبات عميق، هنا يدقّ ناقوس الخطر ونرى الأمّة وهي تموت بين جدران أبو الخيزران دون أن تطرق جدرانه، دون أن تقلب الخزان على رأس أبو الخيزران والعسس المرابطين على الحدود الوهمية التي اصطنعها الاستعمار واستحمرنا بها.
لقد آن الأوان أن يتحرّك كلّ مؤمن بي وما أمثّله في دينه ووجدانه، كلّ حرّ أبيّ شريف، كل إنسان يريد أن يحافظ على إنسانيته وروحه الصادقة، كلّ من عاهد الله ولم يقضِ نحبه وينتظر الشهادة على العالمين، أن يعطيني حقّي وأن يلبي ندائي وأن يستجيب لصرختي، لا تدَعوا هذه الشراذم تدنّس قدسيتي وأنتم سامدون متفرجون، لستُ فرجةً للناس وإنما مفاعلًا نوويًّا للمؤمنين بي والعارفين بوزني عند ربّي وعند المسلمين والأحرار على مرّ التاريخ القديم والحديث، منذ نبوخذ نصّر إلى عمر بن الخطاب وصلاح الدين والظاهر بيبرس وكلّ الفاتحين.
اعلموا -رحمني الله وإياكم- أني (عند كلّ من آمن بالله ربًّا وبمحمد نبيًّا وبعيسى مخلّصًا) مفاعل ثوري نووي، بمكانتي ودوري في مراقي عزّكم ومجدكم ونصركم وسؤددكم قادر على قلب الطاولة في وجه المعتدين، أنا المفاعل النووي الذي يزودكم بأقوى أنواع اليورانيوم المخصّب، أنا القادر على تخصيب اليورانيوم الإيماني المزروع في أعماقكم، لست قلقًا من هذه الشراذم، إنما هي شعلة الاستفزاز والتخصيب لما في صدوركم، أنا على موعد معكم للتحرير ورفعة شأنكم. فقط ما عليكم إلا رفع رايتي خفّاقة في قلوبكم وفي سماء أوطانكم، أعلنوا الثورة على كلّ من يناصر عدوّي وعدوّكم، اجعلوا الأقصى ميزانًا لمعرفة صديقكم من عدوّكم، ومشعلًا وعنوانًا لتحرّري وتحرركم.