في أعقاب معركة وحدة الساحات وليدة "سيف القدس" التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة مع الاحتلال الإسرائيلي في مايو 2021، كثرت التأويلات ومحاولات المشككين بدق "الاسافين" وإحباط روح الجهاد والمقاومة، لكنها بائت بالفشل.
ورغم فشل تلك المحاولات، إلا أنهم لا يزالون يحاولون اقتناص الفرص "ولو كانت سرابا" للنيل من فصائل المقاومة وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إلا أنهما استطاعتا تفويت الفرصة عبر التمسك بخط المقاومة وإظهار مدى تلاحمهم ووحدتهم العالية والاستراتيجية في ميدان القتال والمقاومة.
"المشاغلة والمراكمة" هما مصطلحان جديدان في الميدان لكنهما استندا إلى مرجعية إسلامية مجاهدة ومقاومة حيث يقومان على الاستفادة من التجارب في العمق التاريخي الإسلامي.
إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سكت عن مشاغلة المجاهد أبو جندل لكفار قريش وإغارته على قوافلهم والتصدي لهم ومنعهم وضرب مقدراتهم الاقتصادية، مما أجبر قريش على المطالبة بإلغاء بند من بنود "صلح الحديبية" الذي لم يكن عادلا بحق من أسلموا بعد الصلح من مكة ومنهم المجاهد أبو جندل وغيره من حالات أخرى.
وقد اعتمدت تجارب حركات التحرر المعاصرة على "المراكمة والمشاغلة" دون التنازل عن استراتيجياتها مثل فيتنام وافغانستان وشمال افريقيا، عبر تجميع وتكديس القوّة العسكرية وإعداد المجاهدين وتدريبهم لمواجهة العدو وهذا ما يجب فعله مع عدو الفلسطينيين (إسرائيل) لكبح اندفاعه في اعتداءاته على غزة والضفة والقدس والداخل المحتل عام 1948 للوصول الى الهدف الاستراتيجي المعركة الحاسمة لتحرير كل فلسطين.
وهذا لا يعني التخلي عن الاستمرار في مشاغلة الاحتلال الإسرائيلي وعدم اعطاؤه وقت للراحة والتنفس، بل ارهاقه واستنزاف طاقاته وعدم فتح مجال له للاستفادة من هدنة أو سكون والخروج من مأزقه الأمني والاستمرار في بناء مستوطنات وتهويده للقدس والأرض.
لذلك يجب تطوير استراتيجية "المراكمة والمشاغلة" والعمل لها في ساحات الجهاد والمقاومة على أرض فلسطين في غزة والمراكمة والإعداد والتصدي لأي اعتداء إسرائيلي على غزة بذرائع فشله في اضعاف المقاومة في الضفة والقدس والمقاومة الشعبية في الداخل المحتل عام 1948.
ويجب ألا يُفتح المجال للاحتلال بأن يفرض حلولا لهدنة طويلة عبر بوابة تخيف الأزمات الاقتصادية بإملاءات من الرباعية الدولية وأنظمة التطبيع العربي، لكن الخطورة في ذلك هو وجود بعض الأصوات من هنا وهناك تحاول أن تصل لحد التفاوض المباشر مع الاحتلال دون وسيط، مما قد يكون باباً من أبواب الدخول في مستنقع الاتفاقيات الدنية كاتفاقية أوسلو الكارثية.
فعندما ترفع تلك الأصوات الناشزة عن الاجماع الجهادي المقاوم للشعب الفلسطيني بالتحرير والعودة يعيدنا إلى مربع الدخول في سراب الحلول الاستسلامية ومشاريع تعطي اعتراف وحق وجوده على أرض فلسطين ويدخل شيطانهم في التفاصيل والعيش قي دوامة سراب الحل السلمي.
ولا بد التذكير أنه من المآخذ المثيرة جداً على اتفاقية اوسلو الكارثة عدم وجود ضامن دولي ولا إقليمي لهذه الاتفاقية فكيف نقبل بالتفاوض مع العدو على هذا الاساس؟ لذا فان العمل الجهادي والمقاوم الذي يعتمد استراتيجية المراكمة والمشاغلة يجب الا يكون مدخلا لاتفاقية اوسلو جديدة بأي حال من الأحوال.
وختاماً، فإن العدو الصهيوني يدرك أن المراكمة والمشاغلة هي عمل جهادي ومقاوم متطور ويرهقه لذلك يرسل تهديداته للفصائل الفلسطينية في غزة وعلى رأسها حركة حماس التي رفضت التحريض الممنهج ضده وأثبتت عُمق علاقتها مع الجهاد الإسلامي مؤخراً.