بعد فشل الاحتلال الإسرائيلي مرارًا في اعتقال المطارد (مصعب اشتية) وعجزه عن الوصول إليه في عدد من المهمات التي كان الخيار فيها "الاعتقال أو الاغتيال" كما زملاؤه السابقين من المطاردين، بادرت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة باعتقال اشتية في كمين نصبته له في أبشع دور تقوم به هذه الأجهزة وهي "تتبادل الأدوار" مع الاحتلال، ثم سارعت للإعلان بأن التحفظ عليه هو ورفيقه عميد طبيلة جاء لأسباب ودواعٍ موجودة لدى المؤسسة الأمنية، في محاولة يائسة لتهدئة روع الجماهير التي انتفضت في محافظة نابلس، ولخداع وسائل الإعلام، ومحاولة إضفاء مشروعية على عملية الاعتقال، لكن رواية السلطة لم تلقَ قبولًا في الشارع الفلسطيني ولم تكن مقنعة لكل المراقبين.
فالسياقات التي جاء فيها الاعتقال واضحة ولا يمكن أن يتم تغييرها من خلال رواية (مفبركة ومصطنعة) وأهالي نابلس وأهلنا في الضفة بل وشعبنا الفلسطيني يتابع جيدًا ويدرك ما يدور خلف الكواليس وما الدوافع الحقيقية وراء الاعتقال في هذا التوقيت بالذات!، والذي جاء ضمن مسار طويل من الملاحقة نفذته السلطة بحق نشطاء المقاومة على مدار سنوات تحت مبررات متعددة والتي كان آخرها اعتقال المطارد "مصعب اشتية" والذي يطارده الاحتلال منذ عدة أشهر بعد تصاعد أعمال المقاومة، وقد كثف الاحتلال مهمات المطاردة والبحث عنه بعد اغتيال رفيقيه الشهيدين محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح أواخر يوليو/تموز الماضي.
إذ لا يمكن للسلطة الفلسطينية إقناع جماهير شعبنا بما فعلت والمهمة الأخيرة ألحقت بها المزيد من العار وهي تتبادل الأدوار مع الاحتلال بصورة مخزية، وقد تابع الجميع كيف وجه الاحتلال الإسرائيلي اللوم مؤخرًا للسلطة الفلسطينية بسبب ما وصفه "بالتقصير وعدم القيام بدورها في اعتقال المطلوبين"، حيث كان رد ومبرر السلطة (أكثر وقاحة) وأبعد ما يكون عن المسارات الوطنية، حيث ردت السلطة: "بأن ممارسات الاحتلال وتصعيده على الأرض هو ما يضعف عملها"، وبالتالي فإن هذا التصريح يكشف عن مدى زيف الرواية الرسمية التي أُصدرت بعد الاعتقال، ويفضح الدور الوظيفي لهذه السلطة وأجهزتها الأمنية.
ولا يخفى على أحد بأن اعتقال مصعب اشتية جاء بعد أيام من (اجتماع أمني) عقد بين أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ ورئيس جهاز المخابرات الفلسطيني ماجد فرج مع عدد من المسؤولين في جهاز المخابرات الإسرائيلية، وقد كشفت عن ذلك بعض وسائل الاعلام العبرية، ووفق هذه المصادر أيضا فإنه قد تم ممارسة ضغوط كبيرة على المسؤولين الفلسطينيين لتكثيف نشاط الأجهزة الأمنية الفلسطينية لمواجهة أنشطة المقاومة التي تصاعدت مؤخرا ضد قوات الاحتلال.
لذلك جاء التنفيذ سريعًا مستهدفًا المطارد اشتية ورفيقه لتؤكد السلطة على أنها لا تزال مسيطرة وقادرة على إعادة ضبط الأوضاع، وملاحقة نشطاء المقاومة، والوفاء بكل الالتزامات الأمنية المطلوبة منها، فالمؤشرات الحالية تدلل على أن السلطة لن تقف عند هذا الاعتقال بل ربما تنفذ قريبًا أكبر حملة ضد نشطاء المقاومة وصولًا إلى القضاء على وجود أي خلايا ناشطة، وإعادة الضفة الغربية إلى حالة من الاستقرار والهدوء بما يضمن وقف الهجمات الفدائية والاشتباكات المسلحة مع قوات الاحتلال، وهذا ليس غريبًا لأن كل المطلوبين للسلطة كانوا بالأساس مطلوبين للاحتلال، وكلا من الجهتين يتحركون في سياق وهدف واحد وهو " القضاء على المقاومة" واستعادة الهدوء بأي ثمن.
وفي السياق فإنه لا يمكن قراءة ما يجري بعيدًا عن التحرك السياسي والدبلوماسي الذي يجريه رئيس السلطة محمود عباس والذي يستعد لإلقاء خطاب في الأمم المتحدة في محاولة لإرسال رسائل جديدة بأنه "محب للسلام وحريص على هذا المسار ويقدم ما بوسعه للقضاء على أي عمل مسلح" وأنه لن يسمح بأي خيار مناهض للاحتلال، وهي خطوة لاستعطاف الإدارة الامريكية التي تطالب مرارا بحماية أمن الاحتلال وتكثيف الدور الأمني للسلطة لمنع شن عمليات مسلحة ضد الاحتلال، إلا أن السلطة تفاجأت بعدم الرضى الإسرائيلي لأن الاحتلال يطالبها بالمزيد ويحملها المسؤولية بشكل كامل فهو لا يريد أن تخرج أي طلقة من الضفة الغربية.
كما أنها صُعقت من ردود الأفعال العنيفة من أهالي الضفة الغربية والذين انتفضوا ناقمين على السلطة وأجهزتها نتيجة الاعتقال الأخير، حيث نجحت الجماهير بإيصال حزمة من الرسائل للسلطة وللاحتلال؛ أولًا_بأن الشعب الفلسطيني يؤمن بالمقاومة المسلحة طريقًا للخلاص من الاحتلال، ثانيًا_أن ملاحقة واعتقال المطلوبين غير مقبول وشعبنا يمكنه أن يفعل الكثير لمواجهة هذه المهمات المشبوهة، ثالثًا_أن المقاومة تمتلك تأييدًا وإسنادًا جماهيريًّا غير مسبوق وأنها ليست معزولة وأي مواجهة مع نشطاء المقاومة هي مواجهة مباشرة مع جماهير شعبنا.