لم يزل عباس رئيس سلطة حركة فتح في مقاطعة رام الله المحتلة سادِرًا في غِيِّهِ بإصراره على قتل الشعب الفلسطيني المقاوم في قطاع غزة، الذي أضحى يزيد على المليونين بعدة آلاف.
قراراته وإجراءاته المُتدحرجة لا تُبقي ولا تذر من كل فئات مجتمعنا دون تمييز، إجراءات عباس _في البدء_ هي انتهاك صارخ للقانون الأساسي الفلسطيني، الذي يسمونه "الدستور الوطني المؤقت"؛ فهي في جوهرها وشكلها عقوبات تمس الكل الفلسطيني شعبيًّا ومؤسسيًّا دون فروق بين لون سياسي وآخر، حتى أنها أصابت محازبي عباس في مقتل.
لقد أعمى الحقد ناظري عباس حتى أَمسى فيلًا أعمى في صالة ملأها القيشاني الصيني، وعباس يُصِرُّ على لعب دوره الوظيفي طابورًا خامسًا للاحتلال، وقد أُعِدَّ لذلك حتى قبل هندسته وتوقيعهِ اتفاق العار أوسلو الذي لم يبق تحت أقدامنا من الوطن الفلسطيني سوى 12%، وهي قيد الاستيطان والتهويد المتسارع على مدار الساعة.
وعباس يعي دوره وهو ينتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة وشرعة حقوق الإنسان، وهي في مجملها عقوبات جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وفي جُلِّها جرائم حرب كاملة.
وكيف إن كانت هذه السياسات يُمارسها من انتخبه الشعب رئيسًا له _بغض النظر عن انتهاء ولايته_ وهو يدوس كل نواميس العقل والشرف والوطنية، ويقذع حماس متبرعًا لخدمة نازيي القرن الحادي والعشرين وآخرِ احتلال في الكون؟!
قرارات عباس التي باتت تذبح من الوريد إلى الوريد الفئات الأكثر ضعفًا من المجتمع الفلسطيني كمرضى الدم والسرطان والقلب والكلى، والذين شوهتهم القنابل والغازات الكيمائية المحرمة دوليًّا، والذين قتل منهم عباس المئات، ورفض خلال الأسابيع الماضية التحويلات الطبية لأكثر من 270 مريضًا، فقتل منهم حتى الآن أكثر من 20، والحبل على الغارب.
قرارات عباس الدَّمَويّة تحط من قَدْرِ وإنسانية وكرامة الإنسان الفلسطيني، المقاوم، المحاصر في قطاع العِزّ والرجولة والصمود والتضحيات العظام.
إن تمادي رئيس سلطة حركة فتح في ذلك هو مَسٌّ خطير وغير مسبوق برموز الشعب من الأسرى والجرحى والشهداء، وعائلات كل أولئك الذين قدّموا ويقدمون زهرات أعمارهم رخيصة من أجل وطن هو الأغلى والأطهر والأقدس.
وكيف يمكن للشعب الصمت طويلًا أمام قرارات عباس التي أوقف معها عن العمل عشرات الآلاف من الموظفين من القطاع، مع وقف العلاوات أو أي تعيينات جديدة، ومنع إصدار آلاف جوازات السفر بحجة السلامة الأمنية، وخصم 30% - 50% من رواتب الموظفين في القطاع، إلى جانب القطع الكامل لرواتب آلاف غيرهم؟!
ويذهب عباس بعيدًا في وقف مستحقات عائلات الشهداء عمومًا، واستكمل ذلك بعائلات شهداء عدوان تموز 2014م على قطاع غزة، وقطع مكافآت العديد من النواب المعارضين لسياسته من أكثر من طيف سياسي فلسطيني، وعلى نحو خاص جميع نواب تيار التغيير والإصلاح المنتمي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس".
وقد امتدت جرائم عباس الموصوفة إلى قطع مرتبات الأسرى المحررين، وعددهم (277) أسيرًا في الضفة الفلسطينية، ومن انتقلوا إلى غزة بقرار صهيوني ويعيشون اليوم بين أهليهم في قطاع غزة.
وواضح أن نزيل المقاطعة يريد تفريغ القطاع من الوظيفة العامة، وهو الذي يُعَدُّ اليوم لإحالة أكثر من 5000 من موظفي قطاعي التعليم والصحّة إلى التقاعد، وقد أحال الشهر الماضي 60149 موظفًا إلى التقاعد بالإكراه.
ولم يزل القطاع يئن تحت وطأة قرارات عباس وتقاسمه الوظيفي مع الاحتلال في تقليص وصل ساعات الكهرباء، ومنع الدواء للحالات المستعصية، والعديد من الأدوية والمستهلكات الطبية الأخرى، وقطع خطوط الاتصال والإنترنت وإغلاق المواقع الإلكترونية، إلى جانب صرف رواتب تقاعد للموظفين والأكاديميين العاملين في الجامعات والكليات الحكومية مثل "جامعة الأقصى"، وكلية العلوم والتكنولوجيا وفلسطين التقنية.
العدو يحاول إنهاء المقاومة بعدواناته الدموية التي لا تنقطع؛ فترتد إلى نحره وتصمد غزة وتقاوم وتحقق النقاط على طريق ظفر ثابت، قادم وقريب، وعباس يريد قتل الحياة والنسيج الصحي والتربوي والتعليمي حتى الاجتماعي، فيزداد حصاره ويَصل إلى جداره الأخير، أما التبادل الوظيفي للأدوار بين قوى الاحتلال وعملاء الطابور الخامس فقد كان النصر دومًا فيه للشعوب، إنها حرب إرادات تحسمها دومًا هامات رجال قرروا استعادة الثوابت وتحرير أطهر وأقدس ثرى.