سأسمح لنفسي لمرة واحدة بالخروج عن المسار الرياضي والكتابة في أمر سياسي وطني، حيث جرت العادة أن نستخدم مقولة "بعيدًا عن السياسة" عندما نريد الخوض في غمار موضوع رياضي مرتبط بالواقع السياسي كما هو الحال في رياضتنا الفلسطينية، وذلك لتجنب الإحراج أو النقاش غير المُجدي.
وحديثي اليوم خليط بين السياسة والرياضة، لا سيما وأن الأحداث العالمية الأخيرة لا سيما الغزو الروسي لأوكرانيا، أثبتت أن العالم ومؤسساته يخلطون السياسة بالرياضة على عكس ما يدعون دائمًا، فقد أبدع العالم وهيئاته الرياضية وفي مقدمتها اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم بدعم أوكرانيا ومحاربة روسيا، وهو ما لم تفعله كل هذه الهيئات على مدار 74 سنة من الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينية.
لقد لفت انتباهي أمس في خطاب الرئيس محمود عباس "أبو مازن" في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، أن مضمونه لم يختلف عن جميع الخطابات السابقة له منذ توليه الرئاسة سنة 2005، فيما جاء الاختلال من باب الصياغة فقط.
لقد كرر الرئيس أبو مازن استجداء حقوقنا، رغم علمه وعلم العالم بأسره أن الحقوق لا تُستجدى ولا تُمنح، بل تُنتزع انتزاعاً بكل الطرق المشروعة، دون أن يعلم أن هذا الاستجداء لن يُلين قلوب الدول المتنفذة في الكوكب الأرضي، ولا الدول المستفيدة من علاقاتها مع تلك الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
لقد كرر الرئيس تنصله النهائي من المقاومة والسلاح، بل كرر أنه يُحارب الإرهاب، وهنا يُمكن أن نوجه له السؤال، أي إرهاب تواجه مع (85) دولة؟، هل تُحارب الإرهاب الصهيوني والعدوان الصهيوني والممارسات الصهيونية اليومية في كل مُدن الضفة الغربية؟
كمان وأن هذا الاستجداء وعلى عكس ما يُمكن أن يتم فعله، لم يتم تعزيزه بخطوات عملية على أرض الواقع يُجبر من خلالها دول العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة والدول الداعمة للكيان الصهيوني، على مراجعة مواقفها والضغط على (إسرائيل) لإعادة الحقوق للشعب الفلسطيني، وهذا بحد ذاته لا يُخيف لا (إسرائيل) ولا داعميها.
إن ما سمعناه من الرئيس أبو مازن كان خطابًا "دراميًّا" بامتياز، وأعتقد أنه جاء ليُدغدغ به مشاعرنا كشعب فلسطيني نتطلع لقائد يحمي حقوقنا ويحمي أدوات مقاومتنا، وليس لدغدغة مشاعر الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لأنه يعلم علم اليقين أن أحداً لم ولن يمنحه أي حقوق، وأن بقية الدول لا تستطيع الخروج عن الخط الذي رسمته الولايات المتحدة أكبر داعمي بقاء احتلال الأرض الفلسطيني من العصابات الاستيطانية.
الرئيس محمود عباس يعي تماماً أن الجميع كان ينتظر الخطاب لمعرفة إذا ما كان سيُصنف في خانة الخطابات السابقة، أم أنه سيكون مختلفاً عن سابقاته، فلاحظنا أنه في هذا الخطاب، "زاد عيار" العزف على وتر العاطفة الفلسطينية، وهو يعلم تمامًا أن العالم بلا مشاعر وبلا إنسانية، وأننا لن نحصل على حقوقنا بهذه الطريقة.
فهل لا نزال بعد 74 سنة من العيش تحت الاحتلال الصهيوني، نحتاج إلى سرد تاريخي درامي لما حدث لنا من مأساة حتى نستجدي العالم لمساعدتنا، فالعالم يعلم كل تفاصيل المأساة الفلسطينية ولا يحتاج إلى مخرج سينمائي أو كاتب سيناريو بارع ليقتنع بما يعلم.
وهل لا زلنا كشعب فلسطيني نواسي أنفسنا بالخطاب السنوي على منبر الأمم المتحدة ؟، وهل اكتفى الرئيس بالخطاب وطرح المظلمة دون اللجوء إلى تنفيذ تهديداته التي يُدغدغ بها مشاعر الشارع الفلسطيني فقط؟ وهنا لا ننسى المثل الشعبي القائل "اللي بيجرب المجرب عقله مخرب".
وعلى الصعيد الرياضي، كنت أتمنى أن يطرح الرئيس أبو مازن اقتراحًا واحدًا قابل للتنفيذ في هذه الظروف، وهو أن يطلب من العالم المساعدة أولًا على تنظيم بطولة دوري واحد يجمع بين أندية غزة والضفة لأول مرة منذ 74 عاماً، حتى نُحرك المياه الراكدة وحتى نُعطي المجال لبعض الدول أن تضغط باتجاه تحقيق ذلك، وبالتالي سنكون قد كسرنا حاجزًا واحدًا من آلاف الحواجز التي يضعها الاحتلال لعدم تمتعنا بأي من رموز السيادة الحقيقية غير الزائفة التي منحنا إياها في اتفاق أوسلو.