فلسطين أون لاين

تقرير تعدد المرجعيات التعليمية في القدس يُشتت الذاكرة الجمعية

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة-غزة/ هدى الدلو:

تتعدد المرجعيات والمظلات التعليمية في شرقي مدينة القدس المحتلة، وتلقي بظلالها سلبًيا على العملية التعليمية، وتنعكس أيضًا على الهوية التعليمية للطالب المقدسي، ففي مدارس شرقي القدس تنقسم جهات الإشراف إلى خمس. 

ووفقًا لتقرير أصدرته وحدة شؤون القدس في وزارة التربية والتعليم لعام 2021- 2022، يتوزع طلبة القدس بين مدارس الأوقاف، والمدارس الخاصة، ومدارس الأونروا، ومدارس بلدية القدس، ومدارس المقاولات.

ويقدر عدد مدارس الأوقاف التي تتبع للسلطة الفلسطينية وتتبنى المنهاج الفلسطيني الأصلي 53 مدرسة، ويصل عدد الطلبة فيها إلى 11681 بنسبة (13.8%)، تبعًا لمديرة الوحدة ديمة السمان.

في حين يصل عدد المدارس الخاصة إلى 81 مدرسة تدرس المنهاج الفلسطيني، وبعضها يدرس المنهاج الإسرائيلي "بجروت" يصل عدد طلبتها إلى 28835 طالبا يشكلون (34%).

وتشير السمان إلى أن عدد مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين هي الأقل حضورًا بواقع 6 مدارس بإجمالي طلبة 1052 يشكلون (1.2%)، في حين يبلغ عدد مدارس وزارة المعارف الإسرائيلية وبلدية القدس المحتلة 74 مدرسة، تدرس المناهج الفلسطينية المحرفة، وبعضها "البجروت"، بعدد 40573 طالبا يشكلون (47.8%)، إضافة إلى 23 مدرسة شبه المعارف (المقاولات) عدد طلبتها 2734، بنسبة (3.2%).

وتؤكد السمان أن تعدد جهات الإشراف يعيق تبني إستراتيجية موحدة حكيمة وواضحة المعالم تنهض بقطاع التربية والتعليم في القدس المحتلة.

تشتيت للذاكرة

وتشدد الباحثة الفلسطينية أنوار قدح على وجود فجوة كبيرة بين الرؤية والرسالة الفلسطينية وبين ما تروجه وزارة المعارف الإسرائيلية، فالأولى تحاول بناء إنسان فلسطيني حامل للقيم الوطنية وتعزز فيه الهوية الفلسطينية والقيم والعادات، على حين تسعى الثانية لأسرلة العملية التعليمية، لتنتج إنسانا فلسطينيا مدجنا يقبل الاحتلال ويجد مبررا لوجوده، رغم أنه غير متساوٍ مع مواطنيها، إلى جانب أنه غريب عن هويته وثقافته. 

وتبين الباحثة التي لها العديد من الدراسات المنشورة عن المناهج التدريسية في القدس، أن تعدد المرجعيات تُبنى عليها مشكلة الإشراف والمتابعة، فمدارس الأوقاف التابعة للسلطة لا يوجد مكتب لمديريتها في القدس منذ إغلاقه في عام 2019، "وتغييب الجسم الإداري يجعلها عارية عن أي إطار قانوني، وعليه تمنع من استحداث أي مبانٍ جديدة أو ترميم مدارس، أو فتح غرف صفية إلا بتقديم طلب ترخيص". 

ونتيجة لذلك باتت معظم مدارس الأوقاف قديمة وغير مستحدثة وغير موافقة للمعايير العالمية للمدارس، كوجود خدمات ووحدات صحية، "ولم تعد جذابة للطلاب، وحتى مدارس الأونروا تحارب لتوحيد المرجعية التعليمية تحت إشراف بلدية الاحتلال".

وتضيف قدح: "تعدد المرجعيات لا يؤثر في الهوية الفلسطينية فحسب، بل يعمل على تشتيت الذاكرة الجمعية لتتحول لمجرد ذاكرة فردية تغلي شعور الفلسطيني بأنه يعيش ضمن شعب وتوحده الهوية".

وتذكر أنه قبل عام 2011 كانت جميع المدارس في القدس تدرس المنهاج الفلسطيني، ولكن بعد "مناشدات" للكنيست الإسرائيلي واعتراض على تدريس المنهاج الفلسطيني ليخرج في النهاية طلبة يقاومون (إسرائيل)، بدأت عملية تحريف المنهاج وفرض منهاج إسرائيلي.

غياب الرؤية والخطة الناظمة

من جانبه يشير الباحث المقدسي راسم عبيدات إلى أن المرجعيات التعليمية بالقدس تفتقر إلى الرؤية الموحدة والخطة الناظمة، وغياب عملية الإشراف والتوجيه وتعدد مصادر التمويل، مشيرًا إلى أن أكبر هذه المظلات المظلة التعليمية التي تتبع لوزارة المعارف الإسرائيلية إذ تسيطر على نحو 48% من عدد طلبة القدس.

وتحدث في مقاله المنشور تحت عنوان "تعدد المرجعيات التعليمية في القدس وتأثيراتها السلبية"، عن الظاهرة الملحوظة في مدارس القدس، وهي الإقبال المتزايد من قبل الطلبة المقدسيين على دراسة البجروت"، وغياب التوعية بالمخاطر الناجمة عن هذا المنهاج على الهوية والانتماء والثقافة والتاريخ والجغرافيا الفلسطينية، والموقف غير الصلب والمتماسك للسلطة الفلسطينية، وغياب الرؤية الواضحة عند القوى والأحزاب السياسية الفلسطينية، حيث تقبل الجامعات الفلسطينية الطلبة المقدسيين من حَمَلة تلك الشهادات، إلى جانب أن هؤلاء الطلبة الدارسين لـ"البجروت" لديهم اعتبارات في أغلبها له علاقة بالحصول على الوظيفة والدخل المرتفع.

ويلفت عبيدات إلى أن السلطة تتعامل مع المسألة على قاعدة "للبيت رب يحميه"، مشيرًا إلى أنه بإمكانها منع تصديق كشوفات علامات تلك المدارس من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية وعدم الاعتراف بشهادات تلك المدارس، والطلب من الجامعات المحلية بعدم قبول خريجي تلك المدارس.

ويقول: "لكن لا نجد أي خطوات عملية لحماية المنهاج الفلسطيني والحفاظ عليه من مخاطر الأسرلة".

ويوصي عبيدات في نهاية مقاله بتشكيل لجان المدارس الخاصة حسب طابعها سواء كان دينيا أو جمعيات أو أفرادا، يفرز عن هذه اللجان هيئة موحدة تشارك في تشخيص الواقع، ورسم دورها ضمن خطة شاملة للتعليم في القدس، والعمل على خلق جسم تنسيقي يضم كل إدارات المظلات التعليمية المختلفة، تناقش فيه كل هموم العملية التعليمية في مدينة القدس.

وأن تساهم الجهات الرسمية الفلسطينية بدور فاعل في زيادة عدد المشرفين التربويين لتغطية جميع المدارس الخاصة، وأن تتبنى وزارة التعليم العالي توجهًا واضحًا لدعم هذه المدارس، بحيث تحافظ على استمراريتها، إلى جانب إعادة تأهيل المدارس الصناعية الخاصة لاستيعاب مهن جديدة، وتشجيع الطلبة على الالتحاق بها.