جل تقديرات المحللين للحرب في أوكرانيا أنها ستستمر لفترة أطول وتستغرق فصل الشتاء القادم. وتذهب هذه التقديرات لتعظيم معركة الغاز التي تخطط لها روسيا لمعاقبة القارة العجوز على مواقفها المعادية لها. في عناوين الأخبار ما يوحي بأن سكان الدول الأوربية سيتجمدون من البرد القارس هذا الشتاء، وأن روسيا ستلقن أوروبا درسا لا ينسى، وستحاول روسيا تفتيت الموقف الأوربي من خلال مسألة الغاز.
معركة الغاز معركة مهمة، وذات مغزى، ولها تداعياتها على السكان، وعلى الصناعة، وذلك لأن روسيا هي الدولة الأولى في إنتاج وتصدير الغاز، وجل صادراتها منه تذهب لأوروبا، وتعدّ إيران الدولة الثانية عالميا، بينما قطر هي الدولة الثالثة، وتحاول روسيا إنشاء تفاهم مع إيران وقطر لعدم تقديم حلول بديلة لأوروبا، وأخذ سوق روسيا، وإذا ما نجحت روسيا في ذلك تكون قد عظمت من درس عقوباتها لأوروبا.
ولكن معركة الغاز ليست بديلا عن الحرب في أوكرانيا، ودول الغرب بعضها هو الذي امتنع عن استيراد الغاز الروسي، وهو عقوبة من ألف عقوبة فرضها الغرب وأمريكا على روسيا. وهذا يعني أن الشتاء ربما يكون باردا في أوروبا، ولكن لن يكون قاسيا لدرجة إحداث تحول في الموقف الغربي والأمريكي. ثمة قدرة جيدة لدى الغرب للتعويض، وإيجاد مصادر بديلة، وحتى شراء الغاز الروسي من طرف ثالث، هذا وللطاقة مصادر متعددة في أوروبا الغاز واحد منها.
نعود لنقول المعركة في أوكرانيا لها أسباب ومبررات في الرؤية الروسية، ولها أهداف تحاول روسيا أن تصل إليها، والغرب وأمريكا يساعدون أوكرانيا لمنع الروس من تحقيق أهدافهم، وتقليص طموحاتهم، وربما إثبات فشلهم كدولة عظمى. وروسيا تريد نصرا، أو صورة نصر يعزز من وجودها كدولة عظمى، ولو من خلال السلاح النووي إن لزم الأمر، وفي سياق هذا الطريق وهذه المعادلة تقع معركة الغاز، والتي لروسيا فيها أوراق راجحة، ولكن لأوروبا فيها أوراق أخرى تساعدها على المناورة، وطول أمد الحرب زمنيا وجغرافيا هو في صالح الغرب لقدرته على استنزاف روسيا ماليا وعسكريا، وقدرته هو الصمود ماليا بما يملك من احتياطات، وهو لا يتكبد خسائر بشرية وعسكرية، كما هو حال الروس.
خلاصة القول: معركة الغاز مهمة، ولكن تأثيراتها على الحرب في أوكرانيا محدودة، وتعظيم معركة الغاز خطأ في القراءة، أو سقوط في شرك الإعلام.