فلسطين أون لاين

حريق في المنزل

...

خرجت جدتي من البيت في زيارة لإحدى صديقاتها، وأمرتني أن أبقى في الداخل وأُراجع دروسي وأتدرب على الإملاء.. كتبت واجباتي، وراجعت سورة القرآن التي طلب المعلم منا حفظها، وتدربت على الإملاء حتى حفظت كتابة الكلمات بطريقة صحيحة، ورسمت قليلاً على دفتر الرسم.. ثم أخذ الملل يُشعرني بالضيق.

فتحت الباب لألعب مع سمير ابن جيراننا، ولكني عدت وأغلقه بعد أن تذكرت وصية جدتي أن أبقى في البيت.. يا إلهي! ماذا أفعل؟ أشعر بالملل!

ذهبت للمطبخ، أخذت حبة موز من الثلاجة، التهمتها ببطء، وتلذذت بطعمها الحلو.. ولكن بعد دقائق عاد الملل إليَّ.

درتُ في المكان أبحث عن تسلية ريثما تعود جدتي، فتحت الخزانة، أتفقد محتوياتها.. ارتصَّت الأطباق اللامعة على الرفوف العلوية بترتيب شديد، وفي الرفوف السفلية اصطفت أدوات طبخ معدنية لامعة.. جراران في المنتصف لفتا انتباهي.. فتحت الأول، احتوى على ملاعق وشُوَك وسكاكين بأحجام مختلفة، وأدوات أخرى مشابهة. 

مددت يدي لأفتح الجرار الثاني، كان ثقيلاً، ولم أستطع فتحه، استجمعت قوتي وسحبته بسرعة وقوة للخارج، فاندفع الجرار وسقط أرضاً وتناثرت محتوياته.. شمع، علب كبريت، مفكات، أسياخ معدنية لشيِّ اللحم، مفاتيح علب... وأشياء معدنية أخرى.

شدَّت انتباهي أصابع الشمع المتناثرة أرضاً، كان لونها وردياً زاهياً، ورائحتها معطرة، وملمسها ناعم يميل للزوجة، كم سيكون ممتعاً أن أجرب إشعال أحدها!! تناولت علبة كبريت وإصبع شمع، وضعت الشمعة على طرف الطاولة بشكل عمودي. أشعلت عود الكبريت وقرَّبت اللهب من الخيط في رأس الشمعة.. التقط الخيط النار، واشتعل بهدوء، وبدأ الشمع يذوب في قمة الشمعة ويسيل إلى الجوانب بسرعة كما تسيل حبات المطر على زجاج النافذة من الخارج في الأيام الماطرة، فاحت رائحة الشمع المعطَّر في المكان.. شعرت بنشوة كبيرة، واستنشقت رائحتها بسعادة غامرة، ووقفت أتأمل منظر اللهب يلتهم الخيط الأبيض في جوف الشمعة والشمع يذوب بهدوء إلى الأسفل تحت حرارة اشتعاله..

سبحت في خيالي بعيداً.. ولم أنتبه كيف حدث ذلك!!

انحنت الشمعة على حافة الطاولة، وسقطت أرضاً.. وبسرعة كبيرة، التقط البساط على الأرض اللهب، وبدأت بقعة اللهب تكبر بسرعة رهيبة، يتصاعد منها دخان أسود.. حاولت أن أُطفأ النار بحذائي.. ولكن البساط أصبح حاراً.. خشيت أن تصل النار إلى ملابسي.

فتحت باب البيت كالمجنون وهربت خارجاً أصرخ بأعلى صوتي: حريق.. حريق في البيت.. النار تلتهم مطبخ جدتي!!

هرع الجيران إلى بيتنا.. أخذ أبو زياد بطانية كبيرة ألقاها فوق النار، وأغلق الأبواب والنوافذ، واتصل أحد الجيران بالدفاع المدني.

مرَّت دقائق، قبل أن تحضر سيارة الإطفاء وهي تزمر من بعيد بطريقتها الخاصة، نزل منها رجال يرتدون زيَّاً أحمر اللون بسرعة فائقة ومَدُّوا خراطيم يخرج منها رذاذ لا أدري إن كان ماء أم أنه شيء آخر.

كنت أقف أمام بيتنا أبكي بحرقة، وأسأل نفسي: هل سيحترق البيت؟ هل سنفقد كل ممتلكاتنا داخله؟ أين سنذهب يا تُرى؟؟ أين سننام؟ ماذا ستقول جدتي عندما تعود وترى ما جرى؟؟

وكلما زادت الأسئلة في ذهني، زاد شعوري بالذنب، وازداد حزني!!

عادت جدتي إلى البيت، فصُدمت عندما شاهدت تجمع الجيران والدفاع المدني والشرطة في الشارع أمام بيتنا، سارعت إليَّ تطمئن عليَّ وهي تسأل باستغراب وتشير إلى سيارة الإطفاء والشرطة: ماذا يحدث؟؟ لم هؤلاء هنا؟

قالت جارتنا أم محمد:" الحمد لله، ربنا سَلَّم، كان يمكن للحريق أن يلتهم البيت كله، ولكن العناية الإلهية حالت دون ذلك.. حمداً لله على سلامتكم. 

نظرت جدتي إليَّ بشكٍّ وهي تقول: ماذا فعلت في غيابي أيها الشقي؟؟ هل أشعلت حريقاً؟

طأطأت رأسي للأسفل خجلاً من أن أنظر في عيني جدتي التي قالت: الحمد لله أنه لم يمسَّك أي أذى.. ولكنك لن تنجو من العقاب!!

نظفت جدتي بمساعدة أقاربي وجاراتنا البيت، ومنعتني ولمدة أسبوع كامل من المصروف الشخصي ومن اللعب في الحارة مع أبناء الجيران!

د. زهرة خدرج

كاتبة وروائية فلسطينية

المصدر / فلسطين أون لاين